د. أحمد الفراج
لم تمر على الحزب الجمهوري أزمة أكبر من أزمتهم الحالية، وذلك منذ فضيحة واتر قيت، التي تورط فيها الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون قبل أربعين سنة؛ فقد تورطوا فعلاً بالأحمق الثري دونالد ترمب، الذي لا يمكن أن يفتح فمه إلا ويرتكب موبقة، وفضيحة جديدة. فمشكلة ترمب، الذي وُلد وفي فمه ملعقة من ألماس، أنه رضع العنصرية منذ نعومة أظفاره، وقد نمت تجارته عن طريق الاحتيال، والشراكات المشبوهة، وخصوصًا في عاصمة القمار العالمية (لاس فيجاس). ويصعب على متابع مثلي للحراك السياسي الأمريكي أن يتخيل شخصًا عنصريًّا وفاسدًا مثل ترمب يتربع على عرش أقوى إمبراطورية عالمية، ويتحكم بأزرارها النووية، وهو العرش ذاته الذي حظي به رؤساء تاريخيون، مثل واشنطن ولينكولن وروزفلت وكينيدي، ولكن المؤكد أن الزمن تغير، والقيم الأمريكية تخلخلت، بعد انتخاب رئيس أسود قبل سبع سنوات، وهو الأمر الذي أيقظ المشاعر العنصرية، التي كانت تخفيها الابتسامات الصفراء، وتقمعها القوانين الصارمة.
بعد حادثة أورلاندو الإرهابية تحدث ترمب، وقال إن ما حدث هو نتيجة التساهل في قبول المهاجرين، وإنه لو لم يتم طلب قبول الأفغاني عمر متين للجوء لأمريكا لما حصل هذا الحادث الإرهابي، ثم كرر مطالبته بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة. وقد تسببت هذه التصريحات الحمقاء بجدل كبير، وكانت محل سخرية من وسائل الإعلام التقليدية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ولدى شرائح واسعة من المعتدلين؛ فالحقيقة هي أن عمر متين لم يكن أفغانيًّا ولا لاجئًا، بل أمريكيًّا، وُلد على الأراضي الأمريكية، مثله مثل ترمب، الذي وُلد على الأراضي الأمريكية، بعد أن هاجر جده الأقرب من ألمانيا لتحسين أحواله، تمامًا كما فعل والد عمر متين. أما مطالبته بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة فهي مطالبة تتعارض مع الدستور الأمريكي، الذي يفترض أن يكون الرئيس هو الأحرص على حمايته. ولم تمر تصريحات ترمب بسهولة هذه المرة.
الرئيس أوباما، الذي تحمَّل الكثير من هجوم ترمب، وخصوصًا عندما قال الأخير: «إن أوباما لم يذكر عبارة (الإسلام المتشدد) أثناء حديثه عن جريمة أورلاندو»، ألقى كلمة مقتضبة، وكان يتميز من الغضب، على غير عادته، وشجب ربط الإرهاب بالإسلام، وأضاف الرئيس: «إن لغة ترمب المتشنجة ضد الإسلام هي ما يبحث عنه الإرهابيون ليثبتوا للشباب المسلم أن الغرب ضد المسلمين، وهذا سيساعد الجماعات الإرهابية في التجنيد لعملياتهم الإرهابية». والفرق بين أوباما وترمب هو الفرق بين رجل الدولة الرزين والأحمق المتغطرس. وغني عن القول أن تصريحات ترمب أغضبت الجمهوريين أنفسهم؛ فقد عبرت قيادات الحزب المرموقة عن قلقها، بل إن بعضهم أعلن عدم نيته التصويت لترمب، مثل المرشح الجمهوري للرئاسة في 2012 الحاكم ميت رومني. كما نأت شخصيات جمهورية بنفسها عنه، إضافة لإعلان شرائح جمهورية من الشعب تخليها عن فكرة التصويت له؛ فقد أصبح مخيفًا، وخطرًا على القيم الأمريكية. ولم يبق مع ترمب إلا اليمين المتطرف. ومع كل هذه التطورات فقد أصبحت فكرة التخلي عن ترمب، وترشيح شخصية جمهورية أخرى للرئاسة في مؤتمر الحزب القادم، تراود الجمهوريين، وربما أن الجمهوريين لن يجدوا مناصًا من ذلك في حال رغبوا في العودة إلى الرئاسة. فلننتظر تطورات الأسابيع القادمة؛ فقد تكون حبلى بالكثير من المفاجآت.