فوزية الجار الله
يهطل.. يتألق.. يتأنق.. يتدفق، أكاد لا أجد في ذاكرة اللغة وصفاً له..
يعيد تشكيل ذاكرتك، يضيء قلبك وروحك، يحتويك ويمضي تاركاً خلفه بضع قناديل وشموع وبضع قبلات.
هكذا هو رمضان.. مثلما تذوب قطعة من الحلوى الطبيعية بنكهة الفاكهة المثلجة على لسانك في أوج الصيف تستشعر مذاقها فتغمض عينيك تلقائياً، بهذه الخفة واللذة تمر لحظات هذا الشهر الكريم.
يختلف إحساسك بهذا الزمن الأثير كلما ازددت نضجاً وتقدماً في مسار الزمن، كلما ازددت تفوقاً على نفسك وبدأت ترى الجانب الأكثر بعداً وعمقاً من كل ما يحيط بك.
رمضان هذا العام يمر خفيفاً لطيفاً كهتان المطر رغم قسوة الصيف، أليفاً حانياً مثلما قطرات الضوء حين تمس أعماق الروح.
لكن ثمة أمرا ما يبدو عائقاً يقف بالمرصاد لهذه المتعة أحياناً، المشكلة ليست في أنك تفتقد عادات يومية كالأكل والشرب وإنما المشكلة التي تبدو خصوصية لنا في مجتمعنا المحلي أن الوقت يمضي متقطعاً مشتتاً تقطعه الالتزامات هنا وهناك مع الله أولاً من خلال العبادات التي هي بينك وبين رب هذا الكون، ومن ثم مع العائلة، مهما حاولت ضغط هذه الالتزامات (الأخيرة) واختصارها إلا أنها لابد أن تفرض نفسها بقوة لتسرق شطراً لا يستهان به من وقتك.
المشكلة الأخرى في هذا الشهر والتي تبدو خاصة بنا نحن في مجتمعنا المحلي وفي معظم المجتمعات العربية أن معظمنا يعيش مع العائلة إن لم يكن جميعنا في هذا الشهر على وجه الخصوص وهذا يستلزم المعايشة والمشاركة، تلكم المشاركة تتبعها ممارسة بعض العادات تأتي في مقدمتها مشاهدة التلفاز التي تأخذك رغماً عنك، يشدك أحد البرامج وتود أن تتابعه على عجل لكنك لا تنتهي، هناك الإعلانات المتواصلة والأخبار الهامة التي قد تضطر لأجل متابعتها للتنقل بين أكثر من قناة فلا يزيدك ذلك سوى تشتتاً وعدم تركيز.
وأود التنويه هنا إلى أمر عجيب، هناك أكثر من قناة عربية تبدأ برامجها الهامة مع بداية أوقات الصلاة، هذا يجعلك تتساءل: هل هؤلاء عرب مسلمون ألا يفكرون في أداء الصلاة في هذا الوقت وإن لم يؤدوا صلاة التراويح التي يرى الكثيرون بأنها سنة غير ملزمة؟!
مجرد سؤال عابر ولست هنا لمحاكمة أحد أياً كان ففي نهاية الأمر (كل نفس بما كسبت رهينة).
منعطف أخير:
أدهشتني حلقة مسلسل (سيلفي) مطلع هذا الأسبوع والتي كانت حول معرض الكتاب وحول الثقافة في عصرنا الحالي، ورغم أن البعض يرى في الحلقة شيئاً من المبالغة إلا أني أرى أنها لامست كثيراً من الواقع المرير للثقافة ولا أعتقد أن هناك سخرية من المرأة المثقفة التي ظهرت في دور (عزيزة بيت الغنم) لكنها شملت الجنسين فهناك (حبيب) الذي أدى دور مثقف استعراضي متطفل على الثقافة وما أكثر المتطفلين على الثقافة في عصرنا الحالي.