فوزية الجار الله
ما بين النور والضياء، القمة والسفح مسافة شاسعة..
يبدو أنه قدرنا الذي لا مفر منه أن نواجه في هذا الزمن كثيراً من الصدمات والخيبات، في سياق تلك الأحداث المتوترة التي عمّت العالم العربي بشكل أكثر كثافة مع بدء الثورات والتي أسفرت عن الكثير من الاكتشافات غير المتوقعة، ها نحن نجد من يؤيِّد حكم الاستبداد والقمع ويشد على يد الظالم في الوقت الذي يدير فيه ظهره لأرض تحرق وشيوخ مستضعفين ونساء وأطفال يواجهون القتل والحصار والتشريد ما بين سوريا والعراق، الفلوجة ودمشق، وفي خضم هذا الضجيج الذي نعلم تماماً بأن خلفه أيد شيطانية خفية تخطط وتنظّم على رأسها كيان ظالم احتل أراضينا العربية منذ ما يقارب السبعين عاماً وتغلغل داخل مجتمعاتنا شكلياً وجوهرياً عبر آلة إعلامية عالمية ممتدة لا تكف عن بث سوءاتها ليل نهار تحت ثياب خادعة شديدة البياض وهي في هذا المسار تشد إليها أقدام من تستطيع وتسيطر على عقول أخرى بكل ما أوتيت من خبث ودهاء.
كثيرون استنكروا موقف أمين معلوف الذي ظهر في قناة إسرائيلية، منهم بيار صعب في صحيفة النهار، مما ورد في مقاله:
«هكذا، وبكل بساطة، يُطلّ أمين معلوف عبر محطّة i24 الإسرائيليّة الخاصة، في برنامج ثقافي، مصمم بأدق تفاصيله، من أوّله إلى آخره، على مقام الترويج لإسرائيل وأنسنتها) يقول بيار صعب أيضاً ضمن مقاله (أمين معلوف كان ضيف محطّة i24 التي يديرها فرانك ملّول وتدافع عن سياسات الليكود الدمويّة، تبث من «ميناء يافا»، وقد أطلقها باتريك دراحي قبل 3 سنوات، بالفرنسية والعربية والإنكليزيّة، «لتكشف للعالم وجه إسرائيل الحقيقي»!
وللتذكير أمين معلوف كاتب عالمي لبناني الأصل مولود في بيروت في 25 فبرايرعام 1949م، وامتهن الصحافة بعد تخرّجه فعمل في الملحق الاقتصادي لجريدة النهار البيروتية، ثم انتقل للعيش في فرنسا وأصدر خلال مراحل من حياته الكثير من الكتب والروايات.
البعض يعترض على من يستنكر موقف هذا الكاتب من خلال ظهوره على قناة إسرائيلية تحت ذريعة الحرية والانفتاح، وأن الأمور لا تؤخذ هكذا أبيض أو أسود..
ياللكارثة.. ! بل إن الأمور ينبغي أن تؤخذ هكذا أبيض او أسود حين يتعلّق الأمر بقضايانا الأساسية الحتمية، أراضينا ومقدساتنا المحتلة، حين نتأمل على مدى التاريخ هناك شخصيات هامة رحلت إلى إسرائيل لأجل التطبيع لعل أبرزهم أنور السادات في عصره، والتي قامت الدنيا يومها ولم تقعد بسبب موقفه واستنكر المجتمع العربي بأسره موقفه هذا.. مضت السنين ولا تزال إسرائيل تحتلنا، وما زال هناك أشخاص يذهبون فرادى للتطبيع مع إسرائيل، هذه المواقف تعني اعترافاً وتأييداً لكيان محتل وليس مجرد حرية وانفتاح، وإذا صمتنا اليوم على أفراد يمثِّلون شخصيات ثقافية واعتبارية يذهبون للتطبيع مع إسرائيل سيأتي يوم، نرى طوابير وجماعات من العرب يرحلون هناك يصافحون ويبتسمون، يفرحون ويهلّلون عندها لن نستطيع أن ننبس ببنت شفة، سنقف فقط متفرجين حائرين.