د. عبدالحق عزوزي
وجهت المملكة العربية السعودية رسالة عاجلة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الجمعية العامة، ورئيس مجلس الأمن في تحرك يهدف إلى تدارك انهيار الوضع الإنساني المتفاقم في سوريا، ونيابة عن دول مجلس التعاون الخليجي، و59 دولة، تدعو فيها إلى التحرك لوقف انتهاكات النظام السوري ضد المدنيين العزل. وعبّرت الرسالة عن القلق العميق حول الأوضاع الإنسانية الخطيرة والمستمرة في سوريا، وضرورة إيصال المساعدات الإنسانية والطبية كاملة من دون أي عائق إلى محتاجيها، وذلك تماشياً مع قرارات مجلس الأمن. فيما شددت الرسالة أيضاً على أهمية تحقيق تقدم على المسار الإنساني حتى يمكن إنجاز دفعة مماثلة على المسار السياسي والعودة إلى طاولة المفاوضات. كما حمّلت الرسالة مجلس الأمن مسؤولية القيام بذلك، كما أيدت ما نتج عن اجتماع مجموعة الدعم الدولية لسوريا في السابع عشر من الشهر الماضي. إلى ذلك، وقّعت 9 دول على الرسالة الإنسانية العاجلة، وتبنتها 59 دولة.
هاته الرسالة الموجهة من دولة ترى بعيون آدمية وإنسانية، تضع المنظمة الدولية أمام مسؤوليتها التاريخية، في حق شعب يقتل ويهجر ويدمر في مرأى ومسمع من العالم. إنها سوريا التي أفسد فيها النظام الفساد، وعتا فيها عتواً، وحوّلها إلى محرقة وإلى عاصمة عالمية تجذب كل المنظمات الإرهابية، وفوق هذا وذاك جعلها محطة تتصارع فيها الدول العالمية الكبرى لتحقيق سياساتها الجهوية والدولية، وجعلها تسمح لدول كإيران بإشعال نار الفتن والتغلغل فيها لتقويض كل ما بقي من دعائم دولة قادرة على عملية البناء من جديد. إنه شعب يدمر عن بكرة أبيه، إنها أجيال يزال منها وقود الحياة، وشرايين البناء والتجديد، وفقدان الأهل والأحباب، وآثار الحروب الداخلية الضروس ستترك في القلوب جروحاً لا يمكن أن تزال بسهولة، إنها مسألة خطيرة جديدة، وستترك آثاراً مدمرة. ثم ما ذنب أولئك الذين بقوا في ديارهم، ولم يستطيعوا أو لم يريدوا مغادرة الديار والوطن، حيث انقطعت بهم السبل، ولم يعد لهم هناك لا رواتب ولا أكل ولا ملبس. إنها مسؤولية جماعية ومسؤولية تاريخية.. ومن هنا الرسالة السعودية التي تضع هاته المنظومة الأممية الدولية ودولها الأعضاء أمام مسؤولياتها التي لن يغفرها لها التاريخ. وإلا فما فائدة الآلاف من الأوراق التي كتبت بمداد من العقلانية والرشد، وأعطيت لها أسماء من قبيل المواثيق الدولية والإعلانات العالمية والاتفاقيات الملزمة وغير الملزمة في مجال حقوق الإنسان، صادقت عليها جل دول العالم، ووضعت لها ميكانزمات ومؤسسات تجتمع تقريباً كل أسبوع، وتحاول تنقيط الدول بين محافظ عن حقوق الإنسان ومقوّض لمبادئه، ونسيت أو تتناسى أن الظلم الإنساني الذي يلحق بدول مثل سوريا دون أن تحرك هي أي ساكن، لا يعطيها المشروعية البتة في جل أعمالها، ولا للمؤسسة الأم أي الأمم المتحدة، هبتها كمنظمة راعية للسلم والسلام، والأمن والأمان في كل أنحاء المعمور.. فهاته المنظمة الأممية أُنشئت سنة 1945 وبني هذا الإنشاء على علاقات القوة الموروثة من الحرب العالمية الثانية التي جعلت من الدول الخمس الكبرى تتوفر على حق النقض «الفيتو» الذي يمكن أن تستعمله متى تشاء وحسب معاييرها الإستراتيجية الخاصة بها بل وفي بعض الأحيان حسب مزاجها الدبلوماسي الخاص. وبعد سنة 1945 حصلت تطورات جيوستراتيجية متعددة يمكن أن تكتب في الآلاف من كتب التاريخ وكتب العلاقات الدولية دون أن يصاحب ذلك أي تطوأو إصلاح ملموس لميثاق الأمم المتحدة.
وللأسف فأية محاولة إصلاحية جادة لميثاق الأمم المتحدة تصطدم بالمادة 108 من هذا الميثاق التي تقول: «التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء «الأمم المتحدة» إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء «الأمم المتحدة» ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقاً للأوضاع الدستورية في كل دولة. «بمعنى أن أي إصلاح مع وجود هاته المادة صعب بل غير ممكن ما دام أن ذلك سيبقى خاضعاً لحق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن».
الحكامة الدولية صعبة الممارسة والتطبيق والتأصيل ولكن تطويرها أمر لا مفر منه، والأمم المتحدة رغم ما يمكن أن يكتب أو يقال هو المكان الوحيد لتفعيل هاته الحكامة الدولية والتي عليها أن تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الدولية الجديدة واحترام المبادئ الإنسانية، ومن هنا الرسالة التاريخية التي وجهتها المملكة العربية السعودية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الجمعية العامة، ورئيس مجلس الأمن في تحرك تاريخي يهدف إلى تدارك انهيار الوضع الإنساني المتفاقم في سوريا.