د. عبدالحق عزوزي
تصدر الولايات المتحدة الأمريكية العشرات من التقارير حول دول العالم، وكل مرة يصدر تقرير إلا وتقريباً أربعين أو خمسين دولة تثور على لا موضوعيتها ولا حياديتها، ثم ما يفتأ يخرج تقرير آخر ينسي الأول لإثارة دول أخرى في مواضيع أخرى وهكذا دواليك. التقارير خاصة تلك التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية في مجال حقوق الإنسان، ولو كانت تكتب بمساعدة السفارات الأمريكية المعتمدة لدى البلد في العالم، فإنها تخضع للوبيات داخلية أكثر منها خارجية، وتغطي ما أسميه «إسكات اللوبيات النافذة» كما أنها ضرورية لدولة تعتقد أنها دركي العالم وأنه باسم هاته الصفة يحق لها توزيع النقط ومكافأة من تشاء وإنزال اللوم والسخط على من تشاء. والمشكلة أن تقاريرها ممؤسسة، وأن ردود الفعل التي يمكن أن تكون موازية لها وذات طابع دولي شبه منعدمة... ثم دعونا نستحضر في هاته المقالة ما يعرف بمعتقل غوانتنامو الذي لو كان صاحبه دولة عربية مثلاً لزج به في غيابات السخط العالمي، وخصوصاً أن أساليب الاستنطاق والمحاكمة والمتابعة القضائية بإجماع المختصين هي لا ديمقراطية: فماذا تبقى من الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان والحريات العامة الملزمة وغير الملزمة عندما تستعمل كل الطرق اللا إنسانية لانتزاع المعلومة من المتهم عن طريق «عملية وضع كل الرأس في الماء» (Waterbording) أو عن طريق جعل الإنسان يحبو على يديه ورجليه بحضور كلاب شرسة، أو جعله عرضة للابتذال والابتزاز الجنسي؟ فماذا يعني إذن سن القواعد الإنسانية الدولية خاصة عندما تكون أكبر دولة ديمقراطية في العالم هي المسؤولة عن هاته الفظاعات الإنسانية؟
وعندما ضرب الإرهاب العالمي الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001، وباسم الحرب المشروعة وحق الدفاع عن النفس، حلّت كل الطرق وكل الوسائل لمواجهة عدو هو عبارة عن مجموعات متواجدة ومتناسلة في أفغانستان وباكستان وفي دول أخرى، تحمل أسماء وصفات عديدة وتحمل بذوراً خصبة ما زالت ليومنا هذا تلد مجموعات تختلف ولاءاتها ولكن تتشابه في حبها للدم والتكفير والتقتيل.
ولكن الحرب مكر وخديعة ودمار لا تعرف الرحمة ولا القانون، وهذا ما يمكن أن نقرأه في كلمات كان قد باح بها توماس فريدمان عندما وصف الحرب الأمريكية ضد الإرهاب في سنة 2003 «Fight Terror as if there were no rules» ولعل أكبر مثال يمكن سرده هي تلك المعتقلات السرية أو المعلنة عنها التي يتم فيها جمع الخلائق للاستنطاق والتعذيب؛ ومنذ أزيد من عقد من الزمن تفاجئنا وسائل الإعلام الدولية بصور وفيديوهات تعذيب بشعة يقوم بها جنود أمريكيون وغربيون في انتهاك سافر لحقوق الإنسان والحريات العامة، تختزلها الذاكرة التاريخية بأسف: أبو غريب في العراق، باكرام وكندهار في أفغانستان، دون نسيان السجون السرية لوكالة الاستخبارات الأمريكية والتي تسمى بـ«Undisclosed Locations».... ولكن حالة غوانتنامو هي الحالة الفريدة في تاريخنا المعاصر، وستبقى في سجلات التاريخ المكان الذي قبر فيه لمرات عدة الدستور الأمريكي وكل القوانين الدولية الإنسانية باسم «الحرب المشروعة» و«حق الدفاع عن النفس».
وقد أصبح غوانتنامو محطة لسجن 30 ألف معتقل من هايتي ليصبح ابتداءً من 11 يناير 2002 محطة لسجن المعتقلين من طالبان، لتبدأ المراوغات الدبلوماسية الأمريكية واللعب بالمفردات القانونية، لأن عملية التكييف القانوني مسألة محددة وهامة وهي التي تمكن من تطبيق نوع معين من قواعد القانون الدولي في حق هذا المتهم من غيره؛ فقامت طبعاً الولايات المتحدة الأمريكية بالتمييز بين «المحاربين الشرعيين» و«المحاربين غير الشرعيين» أولاً لتبرير سجنها للمعتقلين وثانياً لإضفاء صبغة مقبولة للأدوات والتقنيات التعذيبية اللا إنسانية التي يمكن أن تمارسها على الفئة الثانية. ومعتقل غوانتنامو قد ضم ما يزيد عن 700 معتقل من طالبان والقاعدة لينزل العدد إلى 91 متهماً بالتطرف وكلهم ذاقوا أنواعاً شتى من التعذيب والاعتقال المطول بدون محاكمة وموسومون دائماً بلباسهم البرتقالي.
وفي أواخر شباط الماضي قام أوباما بعرض خطته لإغلاق معتقل غوانتنامو بنقل بلاده للسجناء الذين لا يشكلون خطراً كبيراً إلى دول أخرى... والمشكلة تكمن بناءً على هاته الوقائع في المصداقية التي ترجى في التقارير الأمريكية عن حقوق الإنسان وغيرها في دول العالم إذا كانت هي أول من يقوم بخرقها!