د. عبدالحق عزوزي
عقد مؤخراً بالكويت الملتقى الإعلامي العربي في دورته الثالثة عشرة، تحت شعار «الإعلام مقومات وتحديات». وشارك ثلة من الخبراء في الندوات والجلسات الحوارية وورش العمل المتعددة، في موضوع يؤرق بال الخاص والعام. وكل من حضر أو تتبع المؤتمر إلا ويكون قد تأثر بالتجربة المعجزة للطفل القطري غانم المفتاح، الذي تحدث في حوار مفتوح معه التحدي الذي خاضه في سبيل تخطي العقبات التي واجهته بسبب إعاقته الناتجة عن ولادته بنصف جسد، وذلك في ثاني جلسات الملتقى الإعلامي العربي الثالث عشر خلال حوار أداره الإعلامي خالد جاسم.
بدأ مفتاح حديثه قائلاً: «جسمي صغير ولكن قلبي كبير، والله قد أعطاني الكثير من النعم فلماذا لا أبتسم، وأهم معاني الإيجابية هي الرضا بأن الله اختار له الأفضل وعلى الإنسان أن يتقبل عطايا الله له كي يستطيع أن يرى العالم بإيجابية» وعن إعاقته قال مفتاح: «تقبلت إعاقتي وتعايشت معها بحب وسلام وكنت أعاني من النظرات التي أتعرض لها من بعض الأطفال ولكن هذا لا يضايقني لأن من ينظر إلىّ لابد أن يحمد ربه على ما فيه من نعم ولذلك فأنا أكسب أجراً لأني كنت سبباً في ذكر الله».
وتحدث مفتاح عن دور أمه الكبير في العناية به وتشجيعه على مواجهة المجتمع والانخراط فيها ناصحة إياه بالالتزام بالكلام الطيب مع الناس والتعامل معهم لأنه لو لم يفعل ذلك سيظل وحيداً. وذكر أن أمه قامت بطباعة قصص وكتب عنه ووزعتها مجاناً على المدارس والجهات المختلفة سعياً منها لتغيير نظرة الناس إلى ذوي الإعاقة وهو ما منحه الثقة للتعامل مع الآخرين.
وأشار مفتاح إلى أنه إنسان مثل باقي البشر لديه أحلام وطموحات كثيرة منها أن يصبح طبيبا للعظام ليساعد المرضى الذين لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية اللازمة لهم، كما يتمنى أن يصبح يوما ما رئيساً للوزراء، مؤكداً أنه لا يؤمن بمقولة أن فاقد الشيء لا يعطيه، فهو حتى ولو لم يكن بمقدوره أن يأكل أو يتحرك مثل بقية الناس لكنه لايزال قادراً على العطاء.
ويمارس غانم مفتاح العديد من الرياضات منها السباحة والرماية وتسلق الجبال، حيث تسلق جبل شمس أعلى جبل في منطقة الخليج العربي والذي يبلغ ارتفاعه حوالي 3000 متر ووصل لقمته ورفع علم بلده عليه، ويعتبر مفتاح أصغر تاجر عربي فيملك شركة للآيس كريم لها 6 أفرع في قطر بالإضافة إلى 3 أفرع أخرى سيتم افتتاحها قريباً، حيث تعلم الطبخ ووصفات الآيس كريم من والدته.
وجدير بالذكر أن غانم مفتاح لديه العديد من الأنشطة التطوعية والخيرية منها حملة لمنح الكراسي المتحركة للمحتاجين وحملة جمع مليون ريال قطري للفلسطينيين في مخيمات لبنان وغيرها الكثير. فإلى أولئك الذين تمكّن اليأس منهم.. إلى كل من أصبحت حياتهم مجردة من كل معاني الفرح إليكم هذه العبارة «لا شيء اسمه مستحيل.. بقوة الإرادة والتحدي أحقق جميع أهدافي». إنها عبارة هذا الطفل البطل الذي أبهرني وأبهر العالم بأسره وهو يعيش بنصف جسد ومع ذلك لا يؤثر ذلك على حياته.
نعم إنه الإيمان بالله عز وجل والرضا بقضاء الله وقدره، وهذا الطفل يجب أن يذكر مع كبار السلف الصالح الذين أثرت عنهم مقولات خالدة في الرضا بقضاء الله وقدره. فها هو عمر بن عبدالعزيز قد حُفظ عنه قوله: «أصبحت وما لي سرورٌ إلا في مواضع القضاء والقدر».
واشتُهرت عنه دعواتٍ كان يُكثر من تردادها: «اللهم رضّني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أُحب تعجيل شيء أخّرته، ولا تأخير شيء عجّلته». ويقول خلف بن إسماعيل: «سمعتُ رجلاً مبتلى من هؤلاء الزمني -أي من كان مرضهم مزمناً- يقول: وعزتك لو أمرت الهوام فقسمتني مُضَغاً ما ازددت لك بتوفيقك إلا صبراً، وعنك بمنّك ونعمتك إلا رضاً» وكان الجُذام قد قطّع يديه ورجليه وعامّة بدنه. ويروي محمد بن أبى القاسم أن واعظاً أوذي في الله فقُطعت يداه ورجلاه، فكان يقول: «إلهي، أصبحت في منزلة الرغائب، أنظرُ إلى العجائب، إلهي، أنت تودّدُ بنعمتك إلى من يؤذيك، فكيف تودُّدك إلى من يؤذى فيك؟». وفي قوله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُمٌ} (يقول علقمة: «هي المصيبة تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله، فيسلّم لها ويرضى». ورمضان مبارك سعيد.