سلمان بن محمد العُمري
أضحت وسائل التواصل الاجتماعي واقعاً نعيشه، وهو أحد علامات هذا العصر، ونافذة واسعة للإطلال على العالم ووسيلة تعليمية فاعلة، وعالم زاخر بالألعاب الشيقة المسلية، ومئات الاستخدامات الأخرى التي باتت تغري الكبار والصغار بالجلوس لساعات طويلة، حتى وصل الأمر بالبعض إلى حد الإدمان!!
وجدلاً نفترض أن الكبار يملكون من الوعي ما يقيهم مخاطر هذا النوع الجديد من الإدمان ومضاعفاته، أما الأبناء والناشئة من صغار السن والمراهقين، فإنهم أكثر عرضة للإصابة بهذا الإدمان، بدافع الرغبة في الاكتشاف والانبهار بما تتيحه وسائل الاتصال الجديد من استخدامات في جميع المجالات بما فيها الترفيه، والتسلية، واللعب وكثيراً ما يشتكي الآباء والأمهات من أن أبناءهم وبناتهم يقضون ساعات طويلة أمام أجهزة التواصل لا يأكلون خلالها ولا يتحدثون مع ذويهم!
وتتضاعف مثل هذه الشكاوى خلال فترة من الإجازة الصيفية ووجود وقت أطول للتعامل معها، لكن ما الذي يدفع أبناءنا للوقوع في أسر أجهزة الاتصال الجديد والاستغناء بها عن الأنشطة الرياضية أو الترفيهية أو الثقافية وحتى العلاقات الأسرية والاجتماعية، وما هي الأخطار أو المضاعفات التي تترتب على هذا النوع من الإدمان؟
ومع كامل احترامنا لشكاوى الآباء والأمهات، فإنهم يتحملون الجانب الأكبر من مسؤولية إدمان الأبناء للتقنية، فكثيرٌ من هؤلاء الآباء والأمهات شجعوا أولادهم وبناتهم على استخدام هذه التقنية المتطورة باعتبارها لغة هذا العصر دون أن يوجدوا ولو قدراً من التوازن الذي يحمي الأبناء من الوقوع في أسره، وهذا التوازن يتحقق بإرشاد وتوجيه الأبناء إلى الاستخدامات النافعة له وتنظيم وقت التعامل معه والرقابة الذكية التي تتضمن الالتزام بذلك، وخاصة إن نسبة كبيرة من مدمني أجهزة الاتصال الحديثة يسيئون استخدامه في أمورٍ غير نافعة بل ولنقل ضارة ومحرمة ولا تخفى على أحد.
أما أخطار ومضاعفات هذا الإدمان التي يرصدها الأطباء وأساتذة علم النفس والاجتماع، فتشمل تشوهات العظام وضعف الإبصار والسمنة المفرطة والانيميا الحادة وضعف التركيز والصداع، والخطر الأكبر هو ما يحدث نتيجة التعرض للأشعة المنبعثة من الأجهزة، بعيداً عن كل ما يقال عن فوائد شاشات التقنية التي أثبتت الدراسات الطبية أنها أقاويل تضليل في نطاق الإعلان التجاري الهادف إلى الربح فقط، فلا يوجد مانع نهائي لما يصدر عن الأجهزة الإلكترونية والكهربائية من أشعة، هذا بالإضافة إلى انحراف السلوك والخلل النفسي، التي تنتهي بمدمن أجهزة التواصل إلى العزلة والاكتئاب، والانفصال عن الجو الأسري والحراك الاجتماعي، ومدمن هذه الأجهزة في الغالب الأعم ليس له أصدقاء، وعلاقاته بمن حوله ضعيفة، مقارنة بمن يمارسون الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية.
وفي ضوء ذلك يصبح علاج هذا الإدمان مسؤولية الأسرة في المقام الأول، بترشيد تعامل الأبناء مع هذه الأجهزة، كما ينصح بذلك الأطباء، وتوجيههم إلى ممارسة الأنشطة الأخرى التي تنمي قدراتهم البدنية والذهنية، وتحقق التفريغ الإيجابي لطاقاته ولاسيما خلال العطلات المدرسية وفترة الإجازة الصيفية الطويلة نسبياً، فالعلم والتكنولوجيا وسيلة للارتقاء بوعي الإنسان وقدراته، وتيسير حياته وعندما ينقلب الحال وتصبح وسيلة لتديره، فالعيب ليس في العلم، وإنما في إساءة استخدامه، يستوي في ذلك الجهل والإدمان.. فكلاهما مرض.