سلمان بن محمد العُمري
إذا كانت دول التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب تسعى لحماية أمنها من العدوان الخارجي بتكوين جيش قوي وتأهيله ودعمه بالإمكانات الفنية وإعداده وتحافظ على الأمن الداخلي بتكوين فرق وقوى الأمن الداخلي فإن الأمن الفكري أمر يتطلب أن تجيّش له جيوش من المفكرين والمثقفين والعلماء والمربين ورجال الأمن على حدٍّ سواء وأن يعد له ميزانيات تناسب حجمه وخطورته ومدى تأثيره لأن عالم الأفكار يحتل أهمية بالغة الخطورة لأنها مثل كرة الثلج التي تكبر كلما تتحرك حتى تشكل قوة هائلة قد تجرف كل ما أمامها، ويجب أن تقدم العلاج من داخل مجتمعاتنا ولا تنتظر الحلول من الخارج وأن نعتمد على أنفسنا، وما لدينا من مقومات وأهم هذه المقومات ما في ديننا الحنيف من اعتدال ووسطية.
إذا كانت الدول الإسلامية أدركت أهمية الأمن الفكري من خلال العمل الجماعي بقوى التحالف فإن الأمر -أيضاً- يتطلب أن يواكب ذلك تطويراً في تحقيق مفهوم الأمن الفكري والآليات التي سيتم العمل بها فلم يعد الأمر كما كان في السابق مجرد وحدات وأقسام ولجان في بعض المؤسسات تبحث وتناقش هذا الموضوع وقد تكاد تقصر بها الخطوات نتيجة ضعف الخبرات لدى من أوكل لهم الأمر، والمرحلة القادمة تتطلب وجود هيئات ومؤسسات مستقلة تعنى بالأمن الفكري ترسم الاستراتيجيات العامة وتشرف على عمل المؤسسات ذات العلاقة، ومهما كان الاختلاف على مفهوم الأمن الفكري داخلياً وخارجياً فإن الموضوع يحتل أهمية بالغة باعتباره يحقق أمن واستقرار المجتمعات وذلك من خلال التصدي للمؤثرات والانحرافات الفكرية. وقضية الأمن الفكري ليست وليدة اليوم بل هي قضية كانت دائمة حاضرة ولكنها برزت بشكل كبير في الآونة الأخيرة نتيجة عوامل داخلية وخارجية وخاصة بعد التطور الكبير الذي شهده العالم في مجال المعلومات والاتصال والذي ترتب عليه سهولة انتقال الثقافات والتأثر المتبادل فيما بينها وما نتج عن ذلك من غزو فكري وثقافي هدد بعض المجتمعات في أمنها واستقرارها وثقافتها.
إن قيام مؤسسة خاصة بالأمن الفكري أمر مهم لتوحيد الجهود ودراسة وتقويم دور المؤسسات المعنية في بناء الأمن الفكري، ولقد ابتلينا في مجتمعاتنا الإسلامية من طرفين من أهل الشطط والانحراف الفكري ففريق يريد الانسلاخ من الدين، وفريق آخر يفرط في فهم الدين ويدعو للغلو والتطرف وعدم الإنصاف والخروج عن جماعة المسلمين، وأفكار الفريقين تحتاج إلى المزيد من الدراسات والأبحاث الميدانية وإنشاء الهيئات والبرامج المتخصصة التي تهيئ الظروف المناسبة والجريئة لبناء الأمن الفكري في جو يرفض التهويل ولا يسمح بالتهوين، وقد أثبتت التجارب أن المعالجات والمسكنات التي قامت بها بعض المؤسسات منفردة لم تكن علاجاً ناجحاً كما أن كل مؤسسة ترمي بتقصيرها على المؤسسة الأخرى، ويجب عدم الاستهانة بالظاهرة ودفعها بطرق الدفع والتخلي، فالأمر يتطلب مسؤولية جماعية منظمة لحماية المجتمعات الإسلامية من الخروج عن منهج الوسطية إفراطاً أو تفريطاً والعمل على سلامة فكر الإنسان المسلم وعقله وفهمه من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه للأمور الدينية والدنيوية والعمل على الحفاظ على سلامة الناس وعيشهم آمنين على حياتهم ومعتقداتهم وأموالهم وأعراضهم وتوفير الاستقرار والاطمئنان والتنمية، والعمل الإجرائي الوقائي قبل ذلك بالتحصين والتدابير الإجرائية للحماية وصيانة الفرد والمجتمع من الانحراف الفكري والسلوكي والمؤثرات الخارجية. وأن تقوم هذه المؤسسات ببحث كل ما من شأنه تهيئة مكونات البناء الفكري السليم بشكل يسهم في تحقيق الأمن الشامل للأفراد والأمم وأولى ذلك الحفاظ على العقيدة الإسلامية الصحيحة والتوحيد الخالص وتقديمها للشباب والناشئة بطرائق تربوية ناجحة وأساليب علمية حتى ترسخ في العقول والقلوب. وللحديث بقية...