د.علي القرني
نتفق جميعا على أن جرعة الإعلام التي يعيشها الحدث الإرهابي هي التي تنعش الإرهاب، وتوجد بداخل هذه الجرعة حياة متجددة نحو مزيد من الأعمال الإرهابية. والإعلام بشقيه التقليدي والجديد يبث روح الحياة في الفكر الإرهابي وفي العمليات الإرهابية، فبدون الإعلام لم يكن للإرهاب أن يتمدد وينتشر ويتوسع في أنحاء عديدة من أصقاع العالم، ولم يكن للإرهاب أن يحتل مكانة أو يجسد فكرة أو يصنع اتباعه دون أن يكون للإعلام دور في ذلك، بل يتعدى دور الإعلام الترويج والانتشار للإرهاب، إلى دور صناعة الإرهاب في بعض الأحيان.
هذه جدلية كبرى تناولتها بحوث ودراسات ومؤتمرات عديدة في أنحاء متفرقة وفي فترات زمنية مختلفة، ولكن كانت تنضوي تحت عناوين مختلفة وبمسميات عديدة، وربما أن مؤتمراً دولياً كبيراً مثل هذا الذي ستنظمه جامعة الملك خالد في 7 ربيع الأول 1438 الموافق 6 ديسمبر 2016 وتحت عنوان واحد هو (الإعلام والإرهاب) هو حدث علمي وإعلامي كبير.. وستكون هذه الجدلية مثار نقاش حقيقي في موضوع وفي سؤال: هل الإعلام يغذي الإرهاب؟ وهل يمكن أن يعمل الإعلام على مكافحة الإرهاب؟ هذان سؤالان محوريان يجتمع أكثر من ألف شخص من المشاركين والحضور لمناقشة هذه الجدلية الكبيرة، ولاسيما بوجود ممثلي وسائل إعلام غربية وعربية وإسلامية ومحلية.
إن مكمن الخلاف الأساسي في هذه الجدلية هو الاختلاف في الدور الاجتماعي للإعلام بحكم اختلاف الثقافات والقيم المجتمعية بين مجتمع وآخر، وهذه نقطة خلاف جوهرية بين حرية الإعلام التي تستدعي الإخبار والإعلام عن ما يدور في المجتمع وهذا تدعوا إليه المؤسسات الغربية، وبين المسئولية الاجتماعية التي تسعى إليها وسائل الإعلام في الدول النامية بشكل عام بما فيها الدول العربية والإسلامية وتدعو إلى أولوية المجتمع وسلامته وأمنه على قيم الإعلام مثل الحرية في النشر دون أي اعتبار لتأثير هذا النشر على مصالح الوطن والمواطنين.
وهناك جدلية أخرى ذات علاقة بالجدلية الأساسية للموضوع وهي أن الحكومات طرف من أطراف الخلاف مع الإعلام، حيث حجم التحكم ونسبة التبعية لها من قبل الإعلام هو مصدر خلاف عالمي. فبينما تنادي مجتمعات باستقلالية الإعلام ودوره في مراقبة كل شيء في المجتمع، بما فيها أداء المؤسسات التنفيذية في المجتمع، إلا أن بعض المجتمعات ترى أن الإعلام يجب أن يخضع للحكومة، على الأقل وقت الصراعات والأزمات، والأحداث الإرهابية هي شكل من هذه الأشكال التي تتداخل فيها أطراف عديدة بما فيها الحكومات.
وأخيراً وليس آخراً، فإن أخطر أشكال الإعلام هو الإعلام الجديد بمختلف تنوعاته من شبكات تواصل اجتماعي وشبكات اتصال ومواقع إنترنت وغيرها، فهذه في معظمها وجدت بيئة تنمو فيها طحالب الإرهاب، وتتمدد جذور التطرف، ولهذا فإن شبكات التواصل الاجتماعي من تويتر وفيسبوك ويوتيوب وانستقرام وواتس آب وسناب شات وغيرها هي مدعوة في مؤتمر الإعلام والإرهاب بجامعة الملك خالد لنتعرف على ما تقوم به من جهود لمكافحة الإرهاب من خلال قنواتها.
وهكذا فإن موضوع الإعلام والإرهاب هو عمليات معقدة تتداخل فيها أطراف مختلفة، وتتباين فيها المواقف وفقاً للقيم المجتمعية والثقافية، ووفقاً لطبيعة النظام السياسي، ووفقا للاعتبارات الاقتصادية لوسائل الإعلام، ناهيك عن القيم الدينية والعقدية الموجودة في المجتمع. كل هذه الاعتبارات تجعل من مواجهة جدلية الإعلام والإرهاب من الأهمية بمكان أن نناقشها ونواجهها ونصل إلى قواسم مشتركة لآلية وكيفية تعامل وسائل الإعلام مع الإرهاب، وهذا ما يسعى إليه المؤتمر الدولي الثاني عن (الإعلام والإرهاب: الوسائل والاستراتيجيات) الذي تنظمه جامعة الملك خالد. ويتطلع المؤتمر إلى إمكانية إصدار إعلان عالمي لكيفية تعامل الإعلام مع الإرهاب، وهذا ما يشكل تحدٍ حقيقي للمؤتمر.