د.علي القرني
الخلاف الذي حدث بين ناصر القصبي وعبدالله السدحان وأدى إلى انفصالهما انعكس في ظهور مسلسلين رمضانيين بنفس الأفكار والتوجهات وبنفس النظام الكوميدي المعتاد الذي أحبه السعوديون والخليجيون وكون له شعبية على مستوى العالم العربي.. ولكن المشكلة أن كل قناة من القنوات التي تعرض هذين المسلسلين متمسكة بوقت تزامني مع وقت عرض المسلسل الآخر، ربما في إطار تنافسية تهدف إلى استقطاب المشاهدة في هذا الوقت بالذات، بعد مغرب مكة المكرمة، فهو ذروة المشاهدة الرمضانية التي تنعكس في إقبال إعلاني هائل خلال هذه الفترة.
ولا شك أن هناك أوقات عرض أخرى للإعادة في أوقات أخرى، ولكنها تظل أقل أهمية في المشاهدة الإجمالية لأي قناة، كما أن يوتيوب ربما يوفر بدائل في أوقات المشاهدة لهذه المسلسلات وغيرها. ويظل التنافس كبيرا رغم صمت الممثلين الكبيرين ومحاولتهما إخفاء أي خلاف بينهما، فهما قامتان هيمنت على الكوميديا السعودية خلال العقدين الماضيين، وشكلا مع بعضهما فريقا صعبا على أي مجموعة أخرى من الممثلين أن تنافس هذا الثنائي وتثبت وجودها وتستمر.. بل إن باقي الممثلين انقسموا على جبهة ناصر وجبهة عبدالله وبعضهم حظي بعمل مشترك معهما في نفس الموسم.
وعلى الرغم أنني لم أشاهد إلا الحلقة الأولى من المسلسلين، حيث كانت حلقة «مستر كاش» اعتيادية لم تثر أي خلافات مجتمعية بل كانت شبه صامتة في هذا الجانب، إلا أن حلقة سيلفي لناصر القصبي تعد استثنائية في فكرتها، وتعكس الكثير من الخيال العلمي، حيث تقع الحلقة في عام 2116م أي بعد مائة عام. ولا أعرف عن معد الحلقة هل استنفذ قراءات الخيال العلمي في المستقبل بحيث فعلا كانت البيئة والأشخاص هم نتاج زمن قادم يأتي بعد مائة عام. ولا شك التكنولوجيا توحي بأن الحلقة هي في زمن آخر وعالم مختلف.
واستذكرت نظرية الحتمية التكنولوجية وأنا أتابع حلقة سلفي 2 الأولى، فهناك متغيران محوريان في هذه الحلقة، هما (1) التكنولوجيا (2) القيم الاجتماعية.. والنظرية التي نعرفها وشارك فيها باحثون في علم الاجتماع والإعلام وتخصصات أخرى تشير إلى أن التكنولوجيا هي حتمية في التغيير الاجتماعي والتأثير على القيم المجتمعية. وعندما استعرض الباحثان الكنديان هارولد إنيس Innis ومارشال ماكلوهان McLuhan ما يمكن أن نطلق عليه الحتمية الإعلامية وجدا وغيرهما من الباحثين أن أي تقنية تعيش في المجتمع سيكون لها تأثيرها على القيم الاجتماعية والثقافية، والبعض يقول إن لها تأثيرها على طبيعة النظام الاجتماعي في المجتمع، كما نزع إلى ذلك أشخاص في المدرسة اليسارية الغربية مثل ماركس وغيره.
وهناك قناعات علمية بأن التكنولوجيا تغير المجتمعات، وهذه حقيقة من حقائق التنمية في المجتمعات وخاصة مجتمعات الدول النامية. والمقصود بالتغيير هو وصول الأفراد - بحكم جبروت التقنية وتأثيرها وهيمنتها - إلى حالة من الذهنية المتغيرة والعقلية المتجددة والتي تؤدي إلى استيعاب قيم جديدة وأفكار مستحدثة وأنماط سلوكية مختلفة، وجميع هذا التأثيرات تجد لها صدى على طبيعة العلاقات والتنظيمات في المجتمع. وقد أشار نيل بوستمان باحث أمريكي في الإعلام إلى أن لكل وسيلة إعلامية صحيفة في عهد الصحف وإذاعة في عهد الإذاعات وتلفزيون في عصر التلفزيون نظام ابستمولوجي مختلف أن النظام السابق للوسيلة الإعلامية/ الاتصالية، ويتجلى التفكير في طريقة التفكير ونوع الاهتمامات..
وإذا عدنا إلى حلقة «القرن القادم» من سيلفي سنجد أن التكنولوجيا موجودة ومن المتوقع بعدد مائة عام أن تتغير، ولكن القيم - غير الدينية - الموجودة في مجتمعنا والمجتمعات التي حولنا لم تتغير، بعكس نظرية الحتمية التكنولوجية. وهكذا فإن معد الحلقة قد قرأ ربما الخيال العلمي المتوقع أن يحدث بعد مائة عام، لكنه لم يقرأ تبعات التكنولوجيا فهي حتمية كبرى لها مفعولها على المجتمعات وعلى الإنسانية بشكل عام.
وربما أن ورشة العمل للنص دخلت في جدل: هل سننهي حلول مشاكلنا في المجتمع بعد مائة عام أم لا؟ ووجدوا أن أفضل طريقة هي أن نبقيها حية باقية في المجتمع مهما مر عليها وقت أو زمن أو متغيرات.. ولكن الحقائق تشير إلى أن التكنولوجيا لها تأثيرها على الأفراد والمؤسسات والمجتمع، وصحيح أن مشاكل إدارية تنموية قد تبقى لأنها لا تقع تحت همينة التغيير التكنولوجي، ولكن بعض الأمور المجتمعية وخاصة المتعلقة بالقيم والسلوكيات ستقع تحت تأثير التكنولوجيا وسيفرض عليها الزمن التغيير الحتمي. وعلى الرغم من التكاليف الباهضة على المسلسلات الكوميدية والدرامية في الوطن العربي، إلا أن غياب باحثين لكل مسلسل هو غياب غير مبرر، ونحن نعلم أن أي عمل إعلامي في المؤسسات الإعلامية الغربية يخضع لرؤية باحثين متخصصين في موضوع تلك البرامج سواء كانت حوارية أو درامية أو كوميدية أو غيرها من التخصصات.