د.علي القرني
غياب الشركات والمصارف والمؤسسات الوطنية عن الأحداث العلمية في المملكة يعد هو موضوعاً مهماً ويجب الالتفات إليه، لأن الدور المجتمعي المطلوب من هذه الشركات يتعدى إعلانات التعازي والتبريكات إلى دور مهم جدًّا آخر هو المشاركة في المناسبات العلمية التي تنظمها الجامعات وعلى وجه التحديد، من مؤتمرات وندوات وورش عمل وغيرها.
ونلاحظ الضعف إلى درجة الغياب في تواجد مثل هذه الشركات والمصارف في مناسبات الجامعات السعودية، وربما على استحياء تشارك هذه المؤسسات في بعض المناسبات حسب شخصية الراعي الشرفي لمثل هذه المناسبات، متجاهلة تلك المناسبات التي قد لا تسمح ظروف مثل تلك الشخصيات في رعاية كل مناسبات الجامعات في كل المناطق، أو المناسبات التي لا تتطلب راعياً شرفياً لها.
ومن هنا نستطيع التأكيد على أن الشركات الوطنية والمؤسسات الخاصة والمصارف ينبغي أن تلعب دوراً أكبر في دعم المناشط والمناسبات العلمية في الجامعات والمؤسسات العلمية في بلادنا في كل المناطق، ولا يجب أن يقتصر دورها على جامعات بعينها، أو مناسبات بذاتها، بل يجب أن يمتد دور هذه المؤسسات إلى كل الجامعات في كل المناطق، وإلى كل المناسبات العلمية مهما كان تخصص تلك المناسبات.
ودعم الشراكات بين المؤسسات العلمية، والشركات ومؤسسات القطاع الخاص يجب أن يأخذ أولوية في الرؤية القادمة للمملكة، حيث مبدأ الشراكات هو القوة الضاربة في نجاح التنمية بمفهومها الشامل. وكانت من أنجح الشراكات التي تمت فيما مضى هي الشراكة التي عقدتها جامعة الملك سعود مع شركات وطنية كبرى، ورجال أعمال سعوديين لإطلاق أهم مشاريع الأوقاف في المملكة.
وتغيب المصارف بشكل واضح جداً عن المساهمات مع مؤسسات العلم والتعليم، فيبدو أن العقلية التي تدير المؤسسات المصرفية في بلادنا تبحث عن مبدأ الربح والخسارة على أمد قريب، خلال السنة الحالية من عمر مجلس الإدارة، وهذه نظرة قصيرة جدا للأمور، ولا توجد إستراتيجيات بعيدة الأمد تنظر أولا إلى مصالح وطنية تنموية في دعم الجامعات والمشاركة في برامجها.
ويجب أن يعاد النظر في موضوع المسؤولية المجتمعية التي تتحجج بها بعض مؤسسات القطاع الخاص، وهو ذر الرماد في العيون ليس إلا من أجل إسكات الأصوات التي تنادي بمزيد من مشاركات القطاع الخاص في المجتمع. ومبالغ هذه المشاركات تعد متدنية جدًّا جدًّا ولا ترتقي إلى اسم الشركة أو حجمها أو مكانتها الاقتصادية. ومن هنا فيجب إعادة النظر في هذا البند وتطويره إلى حجم إنفاقي أكبر، والبحث عن مجالات جديدة للمشاركة المجتمعية، وخاصة مع المؤسسات العلمية والتعليمية.
إن الدول العظمى والمتقدمة صناعياً وحضارياً تعطي أهمية كبرى للشراكات بين مؤسسات القطاع الخاص وبين المؤسسات التعليمية والعلمية على أصعدة مختلفة، وأقلها الرعايات لمناسبات علمية تنظمها الكليات والجامعات في تلك الدول، ويمكن للقطاع الخاص أن يجني الكثير من الفوائد في هكذا علاقات، فتلك المؤتمرات والندوات وورش العمل هي بحوث علمية وفي أغلبها تطبيقية تستفيد منها مؤسسات الصناعة والخدمة في تلك المجالات، كما أن المشاركين والمشاركات في تلك الفعاليات العلمية هم متخصصون في تلك المجالات وسيعكس الواقع أنهم خبراء يمكن الاستفادة منهم في مجالات عمل تلك الجهات. ووجود تلك الشركات والمؤسسات بأسمائها وشعاراتها وشخصياتها يعطي التواجد الإعلامي والشخصي لتلك القطاعات الخاصة في محافل علمية مهمة.
وهناك جانب مهم جدًّا يتوجب على الشركات والمؤسسات الكبرى السعودية التواجد في مناسبات الجامعات، وهي المشاركة في القضايا الوطنية والهموم العامة التي تتناولها مناسبات تلك الجامعات، ومشاركتها هو دليل وعي كبير في أهمية المساهمة في دعم تلك القضايا والموضوعات الوطنية. وما نلاحظه عند حضورنا لمناسبات علمية كثيرة وفي مختلف الجامعات هو غياب ندرة أي رعاية تجارية من مؤسساتنا وشركاتنا الوطنية، وبالتالي عدم دعم تلك الفعاليات العلمية الوطنية في الجامعات.
ولربما لو تم تنسيق منظم من قبل الغرف التجارية أو مع وزارة التجارة والاستثمار في أن يتم استحداث تنظيمات تشريعية لاستقطاع نسبة من الأرباح - مثلاً - لصالح شراكات مع مؤسسات تعليمية وعلمية في بلادنا، وتحدد أوجه الصرف المستحقة في مثل تلك التشريعات، أو ربما يتم إجراء أي تنظيم مشابه من خلال مجلس الشورى، لحثِّ تلك المؤسسات والشركات الوطنية في دعم الجهود العلمية في الجامعات.