علي الصراف
لا أعرف كيف يمكن للمسلمين أن يواصلوا إطلاق الاسم الذي اعتبره الملاكم الشهير الراحل محمد علي اسماً للعبودية.
عندما اختار محمد علي الإسلام، فإنه اختار الحرية وحمل اسماً يدل عليها، كما يدل على انتماء لدين الله نبذ به كل وجه من وجوه الصلة بديانته السابقة، كما بالاسم الذي حمله: كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور.
اسمه: محمد علي! ولا يوجد خلفه «كلاي».
بعض وكالات الأنباء، وربما لأغراض عنصرية ما تزال تضع ذلك الاسم بعد محمد علي، وكأن الرجل لا يمكن تعريفه إلا باسم عبوديته، وربما من أجل القول إن إسلام محمد علي لم يجبّ ما قبله، أو ربما من أجل القول إن العبودية ظلت لاصقة فيه، رغم تحرره منها ومن كل ما يمت لها بصلة.
لم يكن محمد علي مجرد بطل ملاكمة سيظل يشهد له التاريخ شجاعته ورشاقته وجمال أدائه. كما سيظل تاريخ الملاكمة يشهد له أنه قلب المعايير السائدة في اللعبة، وأنها من بعده لم تعد كما كانت من قبله. لقد كان حرا حتى عندما كان يرقص في الحلبة ويرخي ذراعيه بدلاً من أن يغطي بهما وجهه كما ظل يفعل الكثير من الملاكمين.
لقد عبر عن تلك الحرية، في كل حركة من حركات جسده.
ولكنه كان بطلاً في غير الملاكمة أيضاً.
كان محمد علي مسلماً مخلصاً، ورجل ورع وتقوى. وظل يخشى الله عز وجل، هو الذي لم يخش من أي أحد سواه.
ولقد كان رمزاً من رموز السلام، وظل كذلك حتى آخر أيامه مدافعاً عن الشعوب المقهورة، وعن الفقراء والمظلومين.
ولئن دفع ثمنا باهظا عندما امتنع عن المشاركة في حرب فيتنام، وشارك في قيادة الحركة التاريخية ضد هذه الحرب في الولايات المتحدة، وأسهم بوقفها كحرب ظالمة ضد شعب فقير، فإنه في كل عمل آخر من أعماله الإنسانية ظل يضع الإسلام نصب عينيه ويؤدي فروضه.
الإسلام بالنسبة لمحمد علي قيمة دينية وإنسانية وأخلاقية لا تضارعها قيمة. واسمه فيه هو اسم إيمانه به.
وكم نحن بحاجة إلى أن نقتفي أثره، وأن نتعلم من شجاعته.
ولكن كم من المعيب أن نضع خلف اسمه اسماً آخر. وكم من المعيب أن نقتفي أثر العنصرية الخفية التي ظل الخائفون من إسلامه ومن حريته يلاحقونه بها.
بعض الصحافيين، من الجيل المسلوق سلقا خفيفا، يأخذ مما تنقله بعض وكالات الأنباء الأجنبية دونما تأمل ولا تدقيق.
والأمر لا يتوقف عند اسم بطل كبير.
انظر في الصور التي تنقلها بعض وكالات الأنباء عن صلاة المسلمين!
المسلم يضع جبينه على الأرض تذللاً لخالقه. وهو التذلل الأقصى والوحيد! ذلك هو المعنى الجليل للركوع أمام الله. ولكن تأمل في تلك الصور، لترى أنها لا تُظهر جباها على الأرض، وإنما أقفية مرفوعة من الخلف!
يحتاج الأمر شجاعة مماثلة لشجاعة محمد علي من أجل القول إن صوراً كهذه لا تحاول أن تشكل إهانة للمسلمين فحسب، ولكنها تحاول أن تشكل إهانة لمعنى الركوع أيضاً.
نحن نعرف أن اختيار زاوية الصورة من جانب المصورين العاملين لدى تلك الوكالات لم يأت عبثاً. إنه تعبير قبيح عن ثقافة عنصرية قبيحة تتسلل إلينا بكل وسيلة ممكنة.
لسنا بحاجة إلى أن نعمي أبصارنا عنها.
ليس من اللائق لإعلامنا أن يقتفي أثر تلك العنصرية، ولا حتى سهوا. فالمرء لا يسهو عن صفعة يتم توجيهها إلى دينه، أو إلى كرامته أو إلى بطل من أبطاله المعاصرين.
ومحمد علي هو محمد علي!