علي الصراف
لا أعرف ما إذا كان «إصلاحيون» أم «متشددون» هم الذين كانوا يحكمون إيران عندما قال الخليفة عمر بن الخطاب كلمته الشهيرة: «اللهم اجعل بيننا وبين فارس جبلا من نار». ولكني أعرف،
مثلما يعرف الجميع أن «فارس» ظلت هي «فارس»، وأن عداءها للعرب، ظل متأصلا، وأن محاولاتها لزعزعة الاستقرار في جوارها لم تنقطع، مرّ ما مرّ من الزمان.
يحاول بعض إعلام الغرب أن يسوق للفكرة القائلة إن مجيء «إصلاحيين» إلى السلطة في طهران ينطوي على تغيير وفائدة. ولكن هذا الأمر يشبه، في تفاوته النسبي، التعبير الجغرافي «الشرق الأدنى»، إذا لا بُدَّ للمرء أن يسأل: «أدنى» بالنسبة لمَنْ؟
الإصلاحيون الإيرانيون، «إصلاحيون» من وجهة نظر الغرب، لأنهم أقرب إلى التصالح معه، وأكثر ميلا إلى عقد الصفقات وإبرام المساومات. ولكنهم ليسوا بالضرورة كذلك بالنسبة للعلاقة مع العرب.
والحال، فإنَّ التاريخ يشهد بأن سياسات إيران العدوانية تجاه دول المنطقة ظلت كما هي بصرف النظر عمن يحكم في طهران. هذا إذا لم يجر توظيف تلك الصفقات أصلا، من أجل إلحاق المزيد من الضرر بدول الجوار، وتوسيع التدخلات في شؤونها، تحت غطاء العلاقة الأفضل مع الغرب.
وثمة لهذا الأمر أسباب يتعين النظر إليها باستمرار.
الأول، أن من يحكم في طهران منذ عام 1979 هو التطرف. ولهذا التطرف أذرع ما فتئت تتقوى وتتوسع على حساب غيرها من مؤسسات الدولة، حتى لم تعد هناك دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة.
والثاني، هو أن مشروع «تصدير الثورة» أصبح جزءا من طبيعة السلطة، كائنا من كان حاكمها. وهو يعني، من الناحية العملية، زرع الفتن والقلاقل والاضطرابات الطائفية من أجل توفير البيئة المناسبة لطهران لكي «تتحكم» (كما قال قائلهم) ببعض عواصم المنطقة. بل ويمكن القول، إن «تصدير الثورة» هو السلطة، وإنه لا شرعية لسواها.
والثالث، هو أن التمدد الخارجي يعتبر، من وجهة النظر الاستراتيجية الإيرانية، أفضل سبيل لحماية «الثورة». وهو ما يعني أن طهران (كائنا من كان حاكمها أيضاً) تعتبر أن «نقل المعركة إلى أرض الآخرين» وسيلة دفاعية داخلية.
والرابع، للدين في إيران وظيفة عسكرية! وهو ما يكشف عنه الرهان القائم على دعم المليشيات المسلحة هنا وهناك، كما تكشف عنه لغة العنف الشرسة التي يستخدمها حشد لا ينتهي من المسؤولين الإيرانيين عندما يتعلق الأمر بالموقف من المسلمين الآخرين.
والخامس، (ولنقل الأمر بكل خشونته) الثقافة الفارسية تحتقر العرب وتنظر إليهم باستخفاف، وهو ما يجعل كل موقف تتخذه طهران حيال الدول العربية محكوما بعقدة الاستعلاء، التي تحولت إلى عقيدة تدفع المسؤولين الإيرانيين إلى تبني مواقف تضمر الشر باستمرار.
والسادس، فرغم أن الدنيا واسعة، ورغم أن هناك شرقا وشمالا وجنوبا في الجغرافيا السياسية وفي المصالح، فإنَّ عين إيران لا تزال منذ أكثر من أربعة آلاف عام مصوبة إلى غربها. وكلما رد الجوار عدوانا فارسيا جديدا، عادت فارس بعدوان جديد. لم يتعلم حاكمو تلك البلاد من الهزائم. كما أنهم لم يكفوا. ومع كل هزيمة يمنون بها، يعودون بحقد أشد.
والسابع، هو أن مساومات بعض الدول الكبرى توفر لها مصلحة مزدوجة، الأمر الذي يشجع طهران على توظيف التواطؤ من أجل رفع وتيرة التدخلات في المنطقة.
هذا الحال يجعل من السطحية بمكان التعويل على «إصلاحيين» لا توفر لهم ثقافتهم الشرسة تجاه الدول العربية أي أساس لسلوك سياسات أخرى.
وحتى لو رغب بعضهم بذلك، فانه لن يتمكن من التقدم بخطوة إلى الأمام، لأن عوامل التطرف المنهجية والمؤسسية سوف تحول دون تحقيق تلك الرغبات.
لا شك، أن الدول العربية تظل تأمل بوجهة مختلفة في طهران. ولكن مع الأسف، فإنه لا ثقافة فارس ولا استراتيجيات إيران ولا سياساتها تغيرت، لا عندما جاء هذا، ولا عندما رحل ذاك.
شيء واحد يمكن أن يتغير، هو الأقوال، ولكن ليس الأفعال. وهذا أقرب إلى «التقيّة» منه إلى تبني سياسات جديدة.
ولئن كان هناك من تبلغ به الجرأة إلى أن يسمي هذا التغير الشكلي «اعتدالا»، فالحقيقة التي لا مراء فيها هي أنه أسوأ من التطرف.
على الأقل، التطرف العاري، خير من التطرف الذي يلبس ثوبا غير ثوبه.
التطرف العاري، أدعى إلى إبقاء الحوافز الدفاعية صاحية، بدلا من أن تنام على حرير الكلام.
فإذا كانت «خلايا» طهران ومليشياتها وجواسيسها هي السرطان، فـ»الإصلاحيون» (كلهم على بعضهم) وكل كلامهم، لن يوفر حبة دواء.