سهام القحطاني
لا شك أن لا أحد ينكر أصول المذهب الزيدي الضارب في عمق التاريخ اليمني، كما لا ينكر أحد واقع وجود صراع مذهبي بين الأكثرية والأقلية في اليمن، وصل لحد الاضطهاد الذي عبّر عنه محمد الحوثي بأنه «واقع اضطهاد وحرمان وتمييز عنصري وطائفي منذ انقلاب عام 1963م»، رابطًا ذلك بتغلغل (السلفية) في اليمن حتى استهدفت المذهب الزيدي، والزيدية بشكل عام. مؤكدًا أن مطالبهم هي «مطالب أي أمة أو طائفة تعاني التمييز العنصري والطائفي، مضطهدة في فكرها وعقائدها، ومصادرة حريتها».
لكن أسباب قوة الانفجار البركاني الحوثي يجب أن تتجاوز أصالة التاريخ والصراع المذهبي، للبحث عمن هو المستفيد الأكبر من قوة ذلك الانفجار. ولو نظرنا إلى الجهات الأربع وفروعها سنجد إيران دائمًا في كل جهة.
ولذا يمكن أن نحدد بعض الأسباب المضافة إلى هذين السببين قبل الدخول في تفاصيل الأزمة الحوثية التي أنتجت حربًا في المنطقة.
1- الاعتقاد العقدي:
تحتل اليمن عقديًّا مكانة كبيرة في الفكر الشيعي، وهو ما يجعل اليمن بالنسبة لإيران ليست استثمارًا سياسيًّا فقط مثل لبنان والعراق وسوريا، إنما يضاف إلى ما تمثله اليمن من استثمار سياسي إذ تعتبر الخاصرة الجنوبية لعدو إيران الأكبر في دول الخليج (السعودية)، إلى ذلك التمثيل القيمة العقدية التي تقوم على القصة المشهورة في الموروث الشيعي بأن هناك ثورة إسلامية سوف تقوم في اليمن ممهدة لظهور المهدي.
وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه القصة التي تؤكد خروج ثورة من اليمن، تصفها بأنها راية هدى، تمهد لظهور المهدي، وعلى كل الشيعة أن تنصره، وأن عاصمة تلك الثورة صنعاء، أما قائدها فهو «اليماني»، وأن اسمه «الحسن» أو» الحسين»، وأنه من ذرية زيد بن علي.
وتذهب هذه القصة إلى أن الثورة التي ستخرج من اليمن أعظم وأهدى من الثورة التي خرجت من إيران، وقد يكون السبب في ذلك المرجح التفاضلي «أن ثورة اليماني تحظى بشرف التوجيه المباشر من المهدي، وأنها جزء مباشر من خطة حركته، وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه».
ولذلك لا نتعجب من سعي إيران لدعم الحوثيين في تمردهم وانقلابهم على حكومتهم الشرعية.
بل حتى الحوثيون أنفسهم تفاعلوا مع هذه القصة.
2- خرج الشباب العربي في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن لتفجير ثورة الربيع العربي. ومع أن تلك الثورة خلعت رداء الأيديولوجية الدينية إلا أنها في النهاية ستحسب على مذهب الأكثرية، وهو المذهب السني، وكذلك الأمر في اليمن.
ولذلك كان لا بد من ظهور حركة ثورية شبابية شيعية بعدما فشلت في ركوب ظهر ثورة الربيع العربي التي قادها الشباب اليمني السني. وقد تبنت حركة الشباب الشيعية التمردية ذات أفكار ثورة الربيع العربي؛ لتملك فيما بعد حق المطالبة باستحقاقات تتناسب مع الثورة الإصلاحية التي قادتها.
كما أن الثورة اليمنية توصلت في نهاية المطاف إلى حل سلمي بخلع علي عبدالله صالح، وبدء الترتيب لحقبة يمنية جديدة، تتضمن دستورًا جديدًا وأسلوبًا سياسيًّا، يتناسب مع متطلبات ثورة 11 فبراير، وهو ما يعني وفق قصة التمهيد لخروج المهدي نهاية مغايرة، تعيق قصدية القصة؛ لذا كان لا بد من تصنيع ثورة تتوافق مع قصة تمهيد خروج المهدي، وإغراق اليمن في فوضى شاملة.
3- وصول التيار الإسلامي السلفي إلى الحكم في مصر وتونس وسوريا - لو نجحت الثورة - وهو ما يعني أن نجاح استحقاقات المرحلة التمهيدية في اليمن التي يقودها الرئيس اليمني عبدربه هادي سوف ترهص لانتخابات رئاسية، وفي حالة تحققها قد تأتي برئيس منتخب ينتمي إلى التيار السلفي، وهو ما يعني عودة الأقلية الشيعية إلى حالة «التعزل والكمون». وفي هذه الحالة تفقد إيران الأمل في «إنبات ذراع مسلحة في اليمن»، تهدد بها دول الخليج.
وعلى المستوى الإيراني فإن وصول رئيس يمني ينتمي إلى السلفية يعني غلق الدائرة من كل الجهات، وتلاشي حلم عودة المهدي والسيطرة على الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية.