سهام القحطاني
لا شك أن الاقتصاد أصبح اليوم هو المصدر الأول لقوة أي دولة، وهو من المعايير المهمة في التصنيف النهضوي.
ولذا لا نستغرب عندما تركز رؤية السعودية 2030 على الاقتصاد لصناعة مستقبل السعودية والتخلص من استعمار السوق الاقتصادي العالمي أو ربط اقتصاد البلد بمتاجرات خارجية، إن التخطيط لاقتصاد قوي لا بد أن يتحرك في ضوء رؤية واضحة الملامح و النتائج، رؤية تعتمد على «مكامن القوى المتعدد للبلاد» وتنطلق منها.
يقيناً أن الكل يعلّم أن السعودية منذ أن تم اكتشاف النفط وهي تعتمد عليه الاعتماد الكلي كمموّل لاقتصادها وباني تنميتها النهضوية، لكن أسطورة النفط التي بدأ يخفت سطوعها من خلال الانخفاض المستمر لسعر النفط، انخفاض يهدد الدول المنتجة بمشكلات اقتصادية كبرى قد يقربها من خط الإفلاس، ولتجنب تلك المشكلات كان لا بد من إعادة صياغة التخطيط الاقتصادي الذي يتجاوز الاعتماد على النفط من خلال إيجاد بدائل اقتصادية تعادل في قوتها قوة النفط؛ ولذا أسست هذه الرؤية لبناء مستقبل ما بعد النفط ركزت رؤية 2030 في مجال الاقتصاد على مستويين؛ المستوى الأول مصادر الاقتصاد القوي، والمستوى الثاني الإجراءات التي تُمكّن من الاستفادة من مصادر الاقتصاد القوي سواء كمموّل أو مستثمر.
وبذلك فنحن هنا أمام «ثقافة ما بعد النفط»، فالاقتصاد يتحكم في تشكيل «ثقافة الشعوب» ، هذه الإضاءة «ربط الاقتصاد بثقافة الشعب» تنبهت إليها رؤية 2030 عندما جعلت قوة الاقتصاد مرتبطاً بأهمية الفرد وأهمية ثقافة المكان وأهمية قيمة الموقع.
وبذلك فنحن أمام لأصل قيمة ثابت لا يخضع لمؤثرات التنقل و التقلب، وهذا ما تركز علية الرؤية، تركز على الأصل الثابت للقيمة باعتبارها مصدر القوة و تبني عليه استثماراتها.
ومصادر الاقتصاد القوي كما حددته هذه الرؤية هي «الطموح والشباب والمكانة الدينية للبلاد، والموقع الجغرافي والثروات المعدنية» أو كما وصفت الرؤية تلك المصادر «الثروات البشرية والطبيعية والمكتسبة»؛ أي الأصول الثابتة لذات قيمة القوى.
اللافت للنظر في هذه الرؤية اختلاف التعامل مع مفاهيم الأشياء، فالسعودية كانت تتعامل مع المكانة الدينية لها من منطلق الواجب الديني الذي شرّفها الله به كونها حامية وراعية لبلاد الحرمين الشريفين ولا شك أنه كذلك، لكن المفهوم الوجداني لهذه المكانة رغم قيمته يضرّ بالاستثمار الاقتصادي لهذه القيمة، وهو ضرر أدركته هذه الرؤية، فالاستثمار الاقتصادي للموقع الديني لا ينقص من وجدانية الواجب الديني، بل يجوده، وبذلك فنحن أمام مفهوم جديد «للسياحة الدينية» وهو مفهوم يحتاج إلى بلورة «لثقافة السياحة الدينية» في العقل الاجتماعي أو «المهنية الفنية في إدارة الخدمات الدينية» ويدخل ضمن هذه الثقافة «السياحة التاريخية» التي تزخر بها السعودية.
ولم تكتف الرؤية بمصادر القوى الاقتصادية للسعودية بل رسمت العديد من الإجراءات التي تضمن تفعيل تلك القوى واستثمارها ومن أهم الإجراءات التي ذكرت في الرؤية هي الشفافية، و رعاية الاقتصاد الخاص ،و الصندوق السيادي و الشراكة العالمية وتنمية الاقتصاد الوليد.
وما يستوقفنا في هذه الرؤية ما يلي:
* مساواة «المرأة» بالرجل في التنمية الاقتصادية وهو ما يعني أن الرؤية تستثمر الجزء المعطّل من المجتمع و الذي يمثل «كتلة اقتصادية صلبة» تتصف بالإضافة.
* الشفافية و المساءلة وهما أمران مهمان لأي اقتصاد قوي ناجح ليس لأنهما يحاربان الفساد بل أيضا هما مشجعان على الطمأنينة الاقتصادية التي تعتبر من أهم عوامل التشجيع على الاستثمار سواء المحلي أو العربي أو الأجنبي.
* الشراكة العالمية؛ فالقوة الاقتصادية أصبحت اليوم تُقاس بمعايير الاقتصاد العابر للحدود،وهو اقتصاد ضامن للإنتاج المجوّد بموصفاته العالمية،كما أنه مانح للخروج من دائرة الاستغراق في صفة المستهلك.
* إعادة تدوير استثمار فائض دخل الدولة لتوليد مداخيل إضافية للحفاظ على مقام ثابت لمرجع أمني مالي يضمن الاستقرار المالي للدولة، وهذه فائدة الصندوق السيادي إذ أنه يحمي ثابت الحدّ الأمني لدخل الدولة سواء أثناء اضطرابات المتاجرات الاقتصادية أو في مرحلة تجريب استثمارات التنوع الاقتصادي.
إذن نحن أمام رؤية جديدة لثقافة اقتصادية ما بعد النفط، لكن الأعمال العظيمة لا تنجح بالرؤى العظيمة فقط إنما بجدية الإيمان بها وتفعيلها وهذا التحدي الصعب في قادم الأيام.