سهام القحطاني
ظلت العلاقة بين إيران ودول الخليج في شد وجذب حتى جاء الإصلاحي محمد خاتمي إلى حكم إيران عام 1997م ومعه بدأت إيران مرحلة مختلفة حاولت «إنهاء حالة النبذ والعزلة التي تعيشها الجمهورية الإسلامية، ودمجها ضمن المجتمع الدولي».
وقد أيد المرشد الإيراني الأكبر «آية الله خامنئي» هذا النهج الإصلاحي للسياسة الخارجية لإيران عندما صرح «في خطاب أمام حشد من الشخصيات العربية في اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في طهران في عام 1997م قائلاً: «لا تشكل إيران تهديدًا لأي بلد إسلامي».
وقد نجحت «دبلوماسية حسن الجوار التي اتبعها خاتمي، في نهاية المطاف في إصلاح علاقات إيران مع الأنظمة المجاورة، تم التوقيع على سلسلة من الاتفاقات التجارية والدبلوماسية والأمنية بين الجمهورية الإسلامية ودول الخليج، نجح خاتمي أخيرًا عبر القيام بذلك في تجاوز إرث الخميني».
ولكن ما لبثت حالة الصراع بالعودة بعد انتهاء حكم الإصلاحين في إيران وعاد الصراع بين دول الخليج وإيران أشد وخاصة بعد الثورة السورية أخيرًا ظهور حركة الحوثيين في اليمن وعاصفة الحزم، الذي اعتبرتها إيران تدخلاً للسعودية ودول الخليج في شؤون اليمن.
وهو ما أنتج في المحصلة «شرخًا بين الشيعة والسنة وبين العرب وإيران؛ لأن إيران تستخدم تنظيماتها وحلفاءها في الوطن العربي، في تجاذباتها مع الولايات المتحدة، ومنافراتها مع هذا النظام العربي أو ذاك».
ولهذا ستظل علاقة العرب السنة والخليج مع إيران في المستقبل القريب مرتبطة بثلاث مسائل سوف تؤثر سلبًا على تلك العلاقة وهي طبيعة الاضطراب السياسي والأمني في العراق ولبنان والبحرين واليمن، والتلاعب باستقرار الدول العربية عن طريق الأقليات الشيعية أو حركات الإسلام السياسي.
والحقيقة أن الشيعة المعتدلين في دول الخليج يرفضون تدخل إيران في شؤونهم واستغلالهم لمصلحتهم، بل هناك شيعة في إيران ترفض المنهج الرسمي للحكومة الإيرانية وأسلوبها الإرهابي مع جيرانها.
إن إيران ليست ذلك المصطفى الذي أرسله الرب لحماية الشيعة وإنقاذهم من عذاب الاضطهاد إنما هي صورة أخرى للشيطان الأكبر، تلك الصورة التي يكشف عنها الإمام الدكتور موسى الموسوي في كتاب «يا شيعة العالم استيقظوا».
فهو يفضح أفكار وممارسات الحكومة الإيرانية، سواء مع الشيعة المعارضة داخل إيران أو الشيعة من الشعوب الأخرى، فالنظام الإيراني كما يقول «ينحو نحو العنصرية والعرقية في معاملته مع الشيعة غير الإيرانيين ويريد أن يجعلهم كبش فداء لشيعة إيران».
وهذا القول يؤكد لنا أن العنصر الفارسي الأعجمي الذي يُسير الوحدة الشعورية بتفوق الذات عند الحكومة الإيرانية تطبع كل ما هو غير إيراني حتى لو كان شيعيًا بأنه «حطب وقود» تستغله لتحقيق غاياتها، وأن العرب هم الدهماء سواء الشيعة أو السنّة.
«فعندما ترسل الزعامة الشيعية المذهبية مئات الآلاف من شيعة إيران لقتل الشيعة ولإبادة مدنهم في العراق ولخراب أراضيهم وممتلكاتهم وقتل أبنائهم ونسائهم، وتصر على هذا الأمر بلا رحمة ولا شفقة وتريد بعد ذلك أن تضم شيعة العراق إلى ممتلكاتها وتمارس في سبيل ذلك كل أساليب القسوة، فماذا يعني هذا غير تلك العنصرية التي تمارس قتل الشيعة على حساب الشيعة.
وعندما ترسل الزعامة الروحية المذهبية آلافًا من شيعة إيران إلى لبنان لكي تقتل الشيعة اللبنانيين وتدمر قراهم لكي تبسط السطوة الشيعية عليهم على حساب الشيعة، يوضح هذا درجة العنصرية الشديدة التي تمارسها الزعامة المذهبية الشيعية في إيران ضد الشيعة خارج إيران.
وتتخذ من شيعة العالم ستارًا ودرعًا تختفي وراءها وتقحمهم في أمر لا ناقة لهم فيه ولا جمل فيعني هذا أن العنصرية تلعب دورًا قويًا في جعل الشيعة غير الإيرانيين كبش فداء لأغراض الزعامة المذهبية الشيعية. -يا شيعة العالم استيقظوا-.
فقد «أمرت الزعامة الشيعية في إيران بتجنيد كل الشيعة العراقيين اللاجئين في إيران وإرسالهم إلى جهات القتال ووضعهم في مقدمة الحرس الثوري، وعندما احتج بعض زعمائهم على هذا الأمر قيل لهم بصلافة وشدة: إنكم أهل الكوفة قتلتم الإمام الحسين وقد حان الوقت لتكفروا عن ذلك بتفانيكم في ترويج المذهب الشيعي. -السابق-.
وبذلك فإن الشيعية تبيد الشيعة، لمصلحة الأقوى بل ولتقوية الأقوى.
ولا تكتفي إيران بتحويل شيعة العرب إلى «حطب لنيران حربها» مع دول الخليج، لكن فوق ذلك تتعامل مع اللاجئين الشيعة العرب عندها «معاملة المتسولين وأبناء السبيل الذين لا حول لهم ولا قوة ولا وطن ولا عزة ولا كرامة، وتسميهم بالغرباء تارة وبالمتشردين تارة أخرى، وكثيرًا ما ينعتون هناك بقوميتهم ازدراء بهم واستخفافًا». -السابق-
لقد انخدع الكثير من الشيعة وما يزالون ينخدعون بالشعارات البراقة التي ترفعها المذهبية الشيعية في إيران من مناصرة المضطهدين والضعفاء، وأن مساعدتهم هي رسالة إلهية، وأنهم مأمورون من الله لتنفيذ هذه الرسالة، وهنا نعود إلى دائرة الصراع الأولى وهي «قيمة الاصطفاء» القائمة على «التفويض الإلهي».