أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
..قال أبو عبدالرحمن: النظامُ الدولي من أوَّلِ نشأته، وسعْيِه في التوازن العالمي منذ أصبح العالم أسرة واحدةً: كان دَأْبُهُ تنظيماً قاطعاً، وتطبيقاً مراوِغاً حولَ حماية الحقوق والحرمات؛ ووَفْق ذلك وُجِد مجلس الأمنِ، ومحكمةُ العدل الدُّولية [قال أبو عبدالرحمن: النسبة إلى الجمع جائز؛ وهو مذهب الكوفِيّْيِيْن؛ ومَن عارضهم فليس له برهان يدفع مذهبهم]؛ وبهذا الحقِّ التنظيمي يملك المسلمون الجهدَ السياسي في المطالبةِ بالعقوبات الرادعة؛ لأن كلَّ اعتداءٍ على ما أُجْمِعَ عليه من التنظيم يقتضي تشريعَ عقوبة رادعةٍ.. وأما الحوار الدَّعوِيُّ بين المسلمين وأهلِ الكتاب فهو كما يجب أنْ يكون مُيسَّر بينهم أكثرَ من غيرهم؛ فيملك المسلم (؛بالله، ثم بعلمه وفكره وبيانه، وخدمَتِة بني أمته؛ وخدمةِ كلِّ أهلِ الكتاب) القدرةَ على توصيل صوته إعلامياً؛ فيمتلك اعترافَ أهلِ الكتاب ورضاهم بيسر؛ لأنَّ في دينه، وفي الأثارة الباقية من دين أهل الكتاب مشروعيةَ الجهاد الذي أذن الله به حال القدرة لبعض أنبياء أهل الكتاب السابقين مثلِ سليمان عليه صلوات الله وسلامُه وبركاته؛ فقد آتاه الله مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ غيرِه كالريح التي تجتاز مسافة شهرين في الغدوِّ والرَّواحِ؛ فرفض الشرك، ودعا ملكة سبإٍ في اليمن التي تعبد هي وقومُها الشمسَ.. دعاهم إلى الإيمان مُهدِّداً لهم بجنود لا قِبَل لهم بها؛ وهم ليسوا من أهل مملكته، ولكنه عليه السلام لا يمكن أنْ يرضى بالشرك على وجه الأرض وهو قادر على إزالته.. ويملك المسلمُ بالصيغ التي أسلفتها أنْ يُظْهِر من بشاراتِ الرسل عليهم صلواتُ الله وسلامُه وبركاته في كتب العهد القديم والجديد (مِن نُسَخِها الخطية، مع الخبرة باللغات التي دوَّنتها كالسريانية والعبرية والخط اللاتيني).. يستطيع بالله ثم بكل ذلك أنْ يتوصَّلَ إلى المُعْطى الصحيح من الأديان السابقة ؛ وهو البشارةُ بمحمد صلى الله عليه وسلم باسمه وصفته واسمِ بلاده وقومه وصفتهم، وأنَّ شريعتَه ناسخةٌ، وأن طاعتَه واجبةٌ ؛ فسَيَلْزم من ذلك قيامُ الحجة عليهم بمُقْتَضى أنَّ أمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداءُ على الناس بهذه الخصوصية ، وبخصَّيصة القرآنِ الكريم الذي كان مصدِّقاً لما بين يديه من كتب الله السابقة ، مُظْهراً ما كان يُخفيه أهل الكتاب من حقائق دين الله ، ولَنْ يَعْدم صادقاً مع دينه يحمل طرف الرداء.. بل المُعتدِي على القانونِ الدولي الوم بالطعن في الدين يجد حمايةً آثمةً من الآخَر كما في قصة سلمان رشدي.. وأما الاعتداءُ على سيادةِ الدولة فانظروا بعد ابتلاع العراق حالَ سوريا ؛ فقد حُيِّد عنها أهلُ التركة العربية بالشرط الإسلامي ، وافْترَعها الأغيارُ من الأعاجم والروس ولا نفوذَ للقانون الدُّوَليِّ ، أو لا نِيَّةَ في استعمالِ النفوذ الدولي لمنْع الاعتداءِ على سيادةِ الدولة ؛ فبربكم هل هذا القانونُ الدولي ضَرْبَةُ لازب عن تعاهدٍ وتعاقد دائم على المنع من الظلم، وأداء الحقوق .. أو أنه مراحلُ مراوِغة تنتهي بتقاسمِ المكاسبِ لحفظ التوازن بين أهل النفوذ، ويبقى للعربي والمسلم في أرضه وتركته الفراغُ من كل إيجابية تحميه من التبعية وشتات التعددية ؟!.
قال أبو عبدالرحمن : إنَّ المآسيَ مهما عَظُمَتْ تهون أمام غَبْننا في عقولنا، وفتنتنا في غياب فكرٍ رشيد يجمع لنا أمة نركن إليها ؛ فنكون في حمايةِ الله بدفع الناس بعضهم ببعض، أو يُقَدِّرُ الله لها من جهد أبنائها ما تملك به الدفاع عن نفسها .. وليس في شرائع الله سبحانه وتعالى حريةٌ تترك للفكر العبثَ بالمُعتقدات، وليس في الإسلام حريةٌ تعطي السلوكَ راحتَه ؛ لكي يزني ويُرابي، ويتبع شهواته ؛ وإنما في الإسلام العبوديةُ لله خالقِ الخلق ؛ للتحرر من اِسْتِعْبادِ المخلوقين، وفي الإسلام الطاعة المُطلقة للشرع؛ للتحرر من حكم غير الله، وفي الشرع سلطانٌ وعقوبات وحدود ودعاة وحسبة؛ لأَطْرِ الناس على الحق أطراً، وقصرهم عليه قصراً؛ وإلى لقاءٍ عاجلٍ قريب في السبتية القادمة إن شاء الله تعالى، والله المستعان.