أحمد محمد الطويان
السيد الخميني حكم إيران بالدين والحديد والنار لعشرة أعوام، استخدم قبلها ذكاءه التنظيمي وأسلوبه السياسي الهادئ في الوصول إلى السلطة الكاملة، وعندما أمسك بزمامها أخذ دوراً إلهياً مقدساً «مصطنعاً» لا علاقة له بالمذهب الشيعي، بل عمل على خلق حالة شيعية جديدة، كرست الخرافة وعطلت العقل، وحرفت المذهب وعززت الشعوبية، وأججت الطائفية، وجعلت الدولة فرعاً والثورة أصلاً والمواطن رقماً لا أهمية له ولا قيمة لإنسانيته.. باسم الدين والثورة!
كان الخميني يخشى على المكانة التي «اغتصبها» على رأس ثورة أقصى قادتها بالحيلة والغدر، وكان مبدأه أن لا تهدأ ثورية المتحمسين، وأن يشعل المنطقة ويشغلها، وباع على شعبه أحلاماً من ورق، وجعل مقدرات الدولة في خدمة دويلات تدين له بالولاء وتعمل على هز الشرعيات وزعزعة البلدان الأخرى، كان ولا يزال نظام الخميني خادماً لفكرة مصطنعة تخدم النخب المؤيدة للنظام وتسحق البسطاء.
في الحج على سبيل المثال عمل النظام المتطرف على خلق التوترات وإحراج السعودية، وخلق حالة شاذة ومربكة جعلها بأمره لا بأمر الله شعائر دينية «شيعية» مثل التجمعات ذات المراسم التعبدية الخارجة عن أصول أداء فريضة الحج، واستوعبت السعودية كل الممارسات بحلمها وحكمتها، ورغم تحول المراسم التعبدية المزعومة إلى أعمال عنف وإرهاب لم تصعد المملكة كثيراً، وقتلت بحكمتها الكثير من الرعونة والجهل التي يتعامل بها النظام الحاكم في طهران مع موسم الحج. لأن المملكة عند ما تتعامل مع الحج تتجرد تماماً عن أي موقف سياسي، وتعزل السياسة عن مهمتها السامية في تسهيل الحج لجميع المسلمين باختلاف مذاهبهم وأفكارهم، ولكنها أيضاً لا تسمح بأن تعكر فئة قليلة على الجميع صفو الحج، كما لا تسمح بأن يمس كائن من كان أمنها الوطني.
أحبطت المملكة محاولات إيرانية كثيرة ومثيرة في مواسم الحج منذ بداية الثمانينات، منها نشر وتداولته وسائل الإعلام وأكثرها لم ينشر ولا يعرف عنه إلا المختصون والمطلعون، ومنهم من روى لي محاولات الاستفزاز المستمرة التي يمارسها قادة بعثة الحج الإيرانية للسلطات السعودية والتي تقابل بحلم كبير وثبات جدير بالاحترام.
والموقف الإيراني الأخير المتمثل بعدم التوقيع على الوثائق والالتزامات اللازمة لتيسير حج الإيرانيين تطور جديد كانت تهدف إيران لاستثماره إعلامياً ضد المملكة، ولكن السلطة المتطرفة الحاكمة تعاملت بغباء، وظهرت بمظهر سيء أمام الشعب الإيراني في المقام الأول، فالجهات المعنية بالمملكة رحبت بالإيرانيين ووفدهم الرسمي رغم القطيعة الدبلوماسية، وتساهلت كثيراً وتعاملت بليونة كبيرة مع الوفد الرسمي الذي جاء لتوقيع وثيقة وقعت عليها كل الدول الإسلامية، وحاول الإيرانيون افتعال المشكلات وإيجاد الخلافات، من أجل مراسم «خمينية» لا قيمة دينية لها، ولا تمثل المذهب الذي تكذب إيران على العالم بادعائها الدفاع عنه وعن معتنقيه.
أراد نظام طهران المتطرف أن يقول للعالم إن السعودية تمنع الحج عن الإيرانيين، ولكن الصورة التي وصلت للعالم أن النظام الإيراني يمنع شعبه من أداء فريضة الحج والسعودية وفرت كل الإمكانيات اللازمة ليأتي الحاج الإيراني بأمن وأمان ويؤدي المناسك بيسر وسهولة.. لم تعط السعودية مجالاً لإيران بأن تديّن السياسة، أو تسيس الدين، ويبقى الخلاف بين الرياض وطهران ليس خلافاً دينياً، بل خلاف سياسي، وحتى في السياسة، لا تلتزم إيران بقانون ولا مبدأ أو عرف، بل تترك لثوريتها المجال لتظهر كل ما يخالف العقل والمنطق والأخلاق، أعان الله الشعب الإيراني المغلوب على أمره.