أحمد محمد الطويان
محمد بن سلمان.. لو لم يكن ولياً لولي العهد لربما أصبح أهم رئيس تنفيذي لأكثر الشركات العالمية العملاقة نجاحاً، لا يحتاج الأمير محمد للمديح، فهو لم يستخدم الإعلام يوماً ليكون صاحب شعبية، ولم يوزع الأموال على المحتاج وغير المحتاج ليوصف بالكرم، لكنه باختصار تفرغ للعمل، وأعطى عمله ما يتجاوز 16 ساعة في اليوم ليحقق شيئاً لوطنه.
عرفنا عن الأمير محمد قبل مقابلته ومؤتمره الصحافي من ملاحظات الإعلام الغربي الذي شعر بأن السعودية تتحرك نحو تنمية حقيقية، وعصرنة للتقاليد في أحد أعرق الملكيات في العالم.
نعم نتحدث اليوم عن الطموح، وعن التفكير الإيجابي، وعن شخصية أمير تحدث بلغة جذابة وغير متكلفة، وظهر واثقاً وعارفاً بتفاصيل لا نسمعها إلا من الفنيين المتخصصين، ولكن الحديث عن الرؤية السعودية 2030 يحتاج إلى وقت، فالمديح قد يضرها ويضر طموح المواطنين، والذم قد يظلمها ويخيب ظن المواطنين، ولكن فكرة الرؤية بحد ذاتها حتى وإن لا سمح الله لم تنفذ كما ينبغي تعتبر ثورة كبرى على مسلّمات البيروقراطية السلبية، وعلى نمط التفكير الذي استوطن عقولنا لسنوات طويلة.
يجب أن نفكر هكذا، أن نطمح ونعمل، وأن نغير سلوكنا الإداري والاجتماعي، ولأن فكرة التخطيط بحد ذاتها راقية ورائعة، يجب أن لا نتعامل مع الرؤية باعتبارها حلم، بل يجب أن نعيشها كحقيقة قريبة، وهذا لا يكون في النوم بالعسل والاتكال على السماء لتمطر ذهباً وفضة.
والأمير محمد بن سلمان وهو يمثل الإرادة السياسية يريد من وزراء مجلسه الاقتصادي والتنموي على وجه الخصوص عملاً مضاعفاً وجهداً أكبر، ويجب أن نعترف بأن الواقع الإداري الحكومي ليس مرضياً ولا مبشراً، وأن مجموعة الوزراء في رأس الهرم قد تعمل تحت عيني الأمير محمد بجد واجتهاد وإنتاجية، ولكن قاعدة الهرم غير مستوعبة للتغيير ولا منسجمة مع التطوير، والعمل على تهيئة هذه القاعدة يجب أن يكون أولوية.
يجب أن لا يناقش أياً منا الرؤية بمرجعيته الأيدلوجية أو الفكرية أو حاجاته المصلحية الشخصية، ومن يرغب بمناقشتها عليه أن يقرأها بعين المواطن، وتكون مرجعيته الوطنية هي الفيصل والحكم.
الربط بين الهوية أو الثقافة والمجتمع والاقتصاد والسياسة في هذه الرؤية جعلها وثيقة متكاملة، وعهد تنموي من الحاكم للمحكوم، وهنا تكمن قوتها وأهميتها الكبرى.
نحن جميعاً في سفينة أبحرت في مياه تتلاطم أمواجها، ومن سيّر سفينتنا مشيدها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- جد الأمير محمد مطلق الرؤية الطموحة، الذي جذب الجميع بفهمه للمجتمع ولاقتصاد بلاده كبير، ولأن التحديات كثيرة علينا أن ننظر بإيجابية للمستقبل، وأن لا نسمح لأي طرف بأن يستخدم الدعاية الإعلامية المضادة، والتي تهدف إلى تثبيط الهمم وزعزعة الثقة.. ولكن علينا أن نتذكر بأن مجهودات كل مواطن ومواطنة هي مفتاح النجاح لهذه الرؤية، التي لم تحظ للأسف بعمل إعلامي يواكبها ويقدمها كما ينبغي، وذلك بالوصول إلى جميع شرائح المجتمع وفئاته.
لأول مرة ربما يتسمر السعوديون أمام التلفاز ويشعرون بالتحدي الذي نعايشه، ويفرحهم الطموح، ومن دون زيادة مرتبات أو منح استثنائية أو إجازات.. ولأول مرة يقول المسؤول بحس نقدي ما يقوله الكثير في مجالسهم، كل هذا على مستوى الأقوال والآمال، ولكن الأعمال والأفعال تحتاج إلى رقابة ونقد وشفافية، ولاحظنا حرصاً من سمو الأمير محمد على هذا الجانب، خصوصاً عندما تطرق إلى مسألة مكافحة الفساد وتساوي المواطنين أمام أنظمة الدولة فيما يخص تنظيم الدعم الحكومي على وجه الخصوص، وحرصه على تطبيق مقتضيات الحوكمة، ورفع الحظر عن القوائم المالية للشركات الحكومية.
بعد 40 عاماً على أول عمل تخطيطي في المملكة نحن أمام تحول، وانتقال يرتقي بالطموح من حالة الخطة الخمسية قصيرة المدى، إلى الإستراتيجيات البعيدة، وهذا تغير إيجابي ويعطي المزيد من الأمل، ونحن بلا شك بحاجة إلى تجديد يثري الاقتصاد وينعكس على المجتمع والدولة، وحان الوقت ليكون بعد مجهودات الملك فيصل أواخر الستينات وتحديثات الملك عبدالله من 2005 إلى 2014 نقلة كبرى إلى آفاق أكثر رحابة.
الأمير محمد بن سلمان عكس تطلعات الملك سلمان، ورغبته في تجديد الدولة وتأكيد رسوخ تقليدها، مع عصرنة لا تخل بثقافتها وهويتها وأعرافها، وما سيأتي داخلياً سيعزز بكل تأكيد الحضور السياسي القوي والمؤثر خارجياً، لتكون التنمية متوافقة ومسايرة للأمن الداخلي الذي يزداد صلابة وتحصيننا، وهنا يظهر التناغم التام في السياسات والرؤى بين الأمير محمد بن نايف والأمير محمد بن سلمان، وهما يحملان مشعل الاستمرارية والتطور، ومن يقرأ تغريدة ولي العهد الأمير محمد بن نايف التي أشاد فيها بعضده وأخيه الأمير محمد بن سلمان سيفهم جيداً بأن الدولة تسير في طريق صحيح وبتعاضد وتماسك على صعيد بيت الحكم بالخصوص والذي مثل في كل الأزمنة سر النجاح في تجاوز التحديات الصعبة.
المواطن والأمير والوزير جميعهم ينتمون إلى هذه الأرض وتاريخها وجغرافيتها وثقافتها وإيمانها، ولا يريدون إلا عزها واستقرارها،، وبيدهم نجاح رؤية طموحة وعلى الجميع أن يضعوا إصرارهم إلى جانب إصرار مهندس الرؤية السعودية ولي ولي العهد وسيتحقق المأمول وسنتخطى الصعاب، وإلا سنضيع البوصلة ونفقد صفاء الرؤية.