أحمد محمد الطويان
أعان الله الدول التي اعتمدت اقتصاداتها على كآبة مدننا. بالتأكيد شعرت بكآبة لا توصف وهي تشاهدنا نتحول إلى الترفيه الذي اكتشفناه بعد زمن من التجهم، ومن المؤكد أنها ستضاعف جهودها وتتفانى أكثر في ترفيه السعوديين من كل الطبقات بعد أن تستفيق بسرعة من الصدمة.. ونحن «إذا لم نتغير فعلاً» ببيروقراطيتنا السلبية سنضيع سنوات في التجهيز والبحث عن مقر يناسب هيئة الترفيه!
رغم ما سبق متفائل جداً وأكثر مما ينبغي بالأفكار والرؤى، ولكن التنفيذ يقلقني كثيراً، وفهم المجتمع للتغيير ما زال مقلقاً أيضاً، والدور الكبير على الإعلام الذي لم يتجاوز القشور وانشغل بها على حساب الثمرة، إعلامنا لم يقل شيئاً مفيداً للناس بلغة مفهومة حول كل التغييرات الضخمة التي جرت وتجري.
تهكم كثير من الساخرين وهم أكثر مما توقعت في مجتمعنا عندما صدر القرار بإنشاء هيئة للترفيه، سخرية بريئة وفي طياتها فرحة، وتقرأ منها أيضاً عدم الفهم، ماذا يعني الترفيه؟ وكيف ستعمل هذه الهيئة؟ وماذا ننتظر منها؟
نعلم جميعاً بأن اقتصادنا يخسر مبالغ ضخمة نتيجة إخفاقنا في إيجاد مناخ مناسب للترفيه وأماكن يستطيع المواطنون والمقيمون الاستمتاع بها، ونتيجة عدم خلق أسلوب حياة يناسب الأسرة العصرية في زمن تغيرت أنماط الحياة فيه. ما زلنا بعيدين عن السياحة الحقيقية بمعناها البريء، ولا يوجد بنية تحتية تساهم في خلق مناخات للترفيه داخل المدن أو خارجها، أو في السواحل.
الترفيه قطاع استثماري ضخم، وعمل اجتماعي، ويشترك مع قطاعات كثيرة في الدولة لتحقيق أهداف اجتماعية وثقافية وتنموية بحسب الرؤية السعودية 2030 ولا يمكن اختصار الترفيه بالسينما! وهذه مصيبة لأن السنوات الطويلة التي ابتعدنا فيها تماماً عن الترفيه جعلتنا محدودين في نظرتنا للترفيه، ولا نتخيل أن هناك أوقات سعيدة يمكن قضاؤها في بلدنا بعيداً عن البيت والمطعم والاستراحة أو المخيم! هذه الهيئة حسب فهمي ستعمل على التنسيق بين الجهات الحكومية، وتفتح وتراقب القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال، وفق أهداف ورؤية ذات جدوى اقتصادية كبيرة.
ستجد الآن أماكن تذهب إليها في السعودية، سيتم استثمار كل المقومات البيئية المادية، سيكون الترفيه عاملاً مهماً في استقرار الأسرة، وسيؤثر على تحسن إنتاجية وسيوفر مالياً على أرباب الأسر، وسينظر السعوديون بفرحة لمدنهم التي لم يؤثّر على حبها وعشقها تجهمها وقلة المناشط الترفيهية فيها، ولكن جميل جداً أن نعشق بفرح وسرور وابتسامة.
قبل 10 سنوات تقريباً اتصل بي صديق سويسري يعمل مع والده في مجال الصناعة وقام بزيارة الرياض والدمام في رحلة تجارية، سألني: أين أذهب في السعودية؟
قلت له: في الدمام بحر وشاطئ ساحر، وفي الرياض صحراء رمالها ساحرة وممتعة في الشتاء.. قال الصديق السويسري بعد انتهاء الرحلة: يا أحمد أعرف أن بلدكم محافظ وله تقاليده ولكن هذا لا يمنعكم من أن تستثمروا الشواطئ وعمل أندية للصيد واليخوت والهوايات البحرية، وعمل الألعاب المائية للأطفال والشباب، وتقديم خدمات لائقة ببلد غني مالياً ولديه ثراء ثقافي أيضاً، ولماذا لا يكون هناك أنشطة للصيد بالصقور ورحلات السفاري، واكتشاف الصحراء ومدن ألعاب متطورة لمختلف الأعمار، وأندية رماية رياضية وغيرها الكثير الكثير الكثير،،، كل هذا لا يؤثر على دينكم وثقافتكم أليس كذلك... قلت للسويسري: صدقت صدقت صدقت بلدنا جميل ورائع ولكننا كسالى ونحب وضع المعوقات وبناء الأسوار.
تذكرت صديقي السويسري وأنا أشاهد صانع القرار السعودي يكسر الحواجز النفسية الوهمية، وينفض عن قطاع حكومته غبار الكسل.
إذا نجحت الهيئة لن نعرف أين سنذهب في السعودية من كثرة الخيارات وتعددها.. وأرجو أن يوفق الوزير الذي أحزننا ذات يوم في إدخال السرور علينا.