عبدالعزيز السماري
تمر المنطقة في حالة أشبه بالإعصار الكبير، فالحروب والطائفية والتدخلات الأجنبية تعصف بدول الشرق العربي، وقد سبق أن تناولت كثير من الدراسات والأبحاث أن ما يجري في المنطقة هو تطبيق لما يُطلق عليه بالفوضى المدمرة، وذلك من أجل إنهاء حالة الصراع الإسرائيلي العربي ثم رسم خرائط جديدة في المنطقة.
لذلك لم استغرب انقلاب الموقف السياسي للولايات المتحدة الأمريكية ضد المملكة، فقد مارسوا من قبل السيناريو السياسي نفسه مع مختلف الدول في المنطقة على طريقة مدرسة المشاغبين، فقد وقفوا مع صدام حسين في حربه مع إيران، ثم انقلبوا عليه إلى درجة اقتلاعه من جذوره ثم تحويل العراق إلى الأرض المحروقة في الشرق العربي بعد أن تحالفوا بعد الغزو مع إيران خصم العراق في الحرب السابقة.
كذلك كان موقفهم المسبق من النظامين السوري والمصري السابقين، فكانت تُصنف النظام السوري على أنه من الدول الحاضنة للإرهاب لكنهم غضوا النظر عن سلوكه الدموي في سنوات ما بعد الثورة وقتله لشعبه، وحرقه للمدن والقرى السورية بالبراميل المتفجرة.. واكتفوا بتصريح سياسي متكرر أن أولياتهم في المنطقة تتصدرها الحرب على الأرهاب.
والتي تعني فقط منظمات السلفية الجهادية، والتي لم تكن ستخرج إلى السطح لولا الدعم الأمريكي واستغلال انغلاق الفكر الجهادي في القيام بدور سياسي غربي، وهو طرد السوفييت من أفغانستان. كذلك كانوا يعتبرون نظام مبارك الحليف الإستراتيجي في المنطقة في العقود الماضية، لكنهم انقلبوا عليه بعد انتهاء دوره، وجاءت الثورة والإخوان ثم عودة النظام العسكري إلى القيام بأدوار جديدة.
تلك طريقتهم في التعامل مع دول المنطقة، ويساعدهم في ذلك حالة الانفصام ما بين غرف القرار السياسي والمجتمع، وتسهم أساليب الانتحار السياسي والعسكري لبعض القادة في تسهيل تنفيذ خططهم الإستراتيجية، فقد كان خطأ صدام حسين الانتحاري دفع بلاده في غزو الكويت، وقد كان ذلك بضوء أمريكي أخضر ولكن خافت، وبعد أن أكل الطعم تم استبدال الكارت باللون الأحمر، وكانت الكارثة..
والآن يقودون حملة جديدة عنوانها شيطنة الفكر السلفي، واعتباره الحاضنة الأهم للإرهاب، وإدخال المملكة في مرحلة الضغط النفسي، بعدما كانت يوماً ما حليفاً قوياً لهم في الحرب الباردة، وكانت بدايات التغيير تأييد الحرب ضد الوجود الإيراني وتشريع قتال الحوثيين من قبل المنظمة العالمية، لكنهم فجأة ودون مقدمات انقلبت مواقفهم، وأصبح الحوثيون الذين يرفعون شعارات الموت لأمريكا، ويؤسسون لخندق إيراني جديد في المنطقة على غرار حزب الله في لبنان هم الضحية.
علينا أن نستوعب الأساليب الأمريكية في المنطقة، وأن لا ننجرف أو نتهور أو نتجه إلى المواجهة والاصطدام مع المارد السياسي الخطير، فذلك هو ما يبحث عنه، والأهم أن نتوقف عن التصريحات في المرحلة القادمة، فالرياح السياسية الغربية في حالة هبوب شديد ضد مصالحنا ومواقفنا.
علينا أن نتعلم كيف نرتدي قفاز الحريري الذي يخفي من تحته القبضة الحديدية، فالمرحلة تحتاج إلى خطاب سياسي متزن جداً، وأن لا ننجرف حول المواقف المؤدلجة بالخطاب الديني المتطرف أو العربي الملتهب، وأن نستغل المرحلة القادمة للبناء في الداخل وتنمية الاقتصاد والمجتمع، كما فعلت كوريا الجنوبية وماليزيا بصمت ونجاح خال من أوجه الفساد المالي والإداري، ودون مؤثرات ومكبرات صوت.
فالمرحلة القادمة بعد قرار الأمم المتحدة الأخير ليست كسابقتها، وأن التهديد بالصدام مع واشنطن خيار متهور جداً، والنتيجة النهائيه لهذا الخيار هو الموت لنا فقط، وقبل ذلك أن نعيد دراسة التجارب السياسية السابقة في المنطقة، وأن يدرك التيار الديني أن الخطاب المندفع بالرغبة في المواجهة والتصعيد، هو خيار يخلو من الواقعية والذكاء والفطنة، فالسياسة هي فن الممكن الذي تؤدي إلى الحفاظ على المكتسبات الوطنية. والله ولي التوفيق.