د. حمزة السالم
إفصاح الحكومة الأمريكية عن سنداتها التي تملكها الحكومة السعودية، أو بالأحرى تملكها دول النفط بشكل عام، لا يعتبر خبرا في جوهره، رغم إثارته لعاصفة إعلامية في ساعاته الأولى. فكما وضحت في مقالي حين خروج الخبر قبل أسبوعين، أن إفصاح الخزانة الأمريكية عن ملكية السعودية لسنداتها، لا يعني أن السعودية لا تملك غيرها. فالسعودية تستثمر فوائضها النقدية في صناديق استثمارية تتاجر وتستثمر بالسندات الحكومية الأمريكية. فالصناديق تملك السندات والحكومة السعودية تملك أسهما في الصناديق. فالمسألة صبه أو احقنه. فأكثر احتياطيات السعودية في صناديق الاستثمار بالسندات الأمريكية. وأعتقد أن الإفصاح أمر كان سيحدث اليوم أو غدا بعد انتهاء غرض عدم الإفصاح، إنما كان ينتظر سببا، فالإفصاح أمر طبيعي. فغرض التكتم كان بسبب فوائض الدولار البترولية في الطفرة الأولى، وعدم استيعاب السعودية ودول النفط، آنذاك، لهذه الثروة ولحاجة أمريكا لهذه الفوائض، لدعم دولية الدولار آنذاك، بعد انفكاكه عن الذهب. وهذا كله قد زال وذهبت أسبابه. وجاء السبب وهو ضجة إشاعات تهديد السعودية ببيع سنداتها الأمريكية واستغلال هذه الإشاعات سياسيا، رغم عدم جدوى هذا الخبر ولو كان صحيحاً.
والصمت في الشارع الأمريكي، الذي تبع هيجان الخبر بقليل، كأنه يخبر عن صدمة لمن طار مع إشاعات التهديد السعودي. وهذه الصدمة ما كان لها أن تحدث لولا أن الكثير قد تعلم أو تذكر أن هناك قيود مكلفة على تسييل الصناديق. كما لو ربط أحدنا وديعة مع بنك، ثم أراد سحبها قبل انتهاء وقتها، فإنه قد يفقد الفوائد المتحصلة عليها. هذا إن كان بيع السندات ممكنا أصلا سواء نظاميا كاتفاقيات مع الصناديق تمنع هذا. أو سوقيا، فالبيع يسبب انهياراً لأسعارها، أو حكمة وتعقلا، لئلا يتسابق مضاربو السوق ومدراء الصناديق أنفسهم لتحطيم أسعارها.
وهذا يقودنا نحن عامة الشارع السعودي الذي لا يعلم شيئا للتخرص بحل سر الأخبار الكثيرة عن اقتراض السعودية من الخارج!. هل هو حقيقة أم إشاعة. فإن صح، فهل له أغراض سياسية أم اقتصادية. والسياسة يعلمها من يجلس خلف الأبواب المغلقة ونحن خارجها.
أما اقتصاديا، فإن اقتراض السعودية اليوم ليس له معنى مطلقا وهي تملك احتياطيات ضخمة إلا إن كان الاقتراض أقل كلفة من السحب من الاحتياطيات، وهناك حاجة للسحب من الاحتياطيات. وكذلك، فهل هذا يشرح أسباب عدم اقتراض السعودية بالريبو، والمجال لا يسمح لشرح الاقتراض بالريبو، فيُؤجل لمقال أخر.
إلا أنه رغم محاولتي بالتبرير الاقتصادي لاقتراض بلادي من السوق الأجنبية، إلا أنه لا يزال لدي شك قوي في الدواعي الاقتصادية. فهل يعقل أن دولة تملك 650 مليار دولار، وقد وصل إنفاقها العام الماضي 250 مليار دولار، أخذت تجوب العالم تتسوق لقرض بعشرة أو عشرين مليارا؟؟ أم هي إشاعات نتجت من الأفاقين الذين يجوبون البنوك الدولية يتحدثون عن ضمانات الحكومة السعودية وإمكانية إقراضها؟ لا أدري، ربما شيء من هذا وشيء مما لم يُفصح عنه بعد.