د. حمزة السالم
بعد أن كشفت أمريكا ستار، أتت بلادنا في المرتبة الثالثة عشر للدول الأجنبية التي تمتلك السندات الحكومية الأمريكية، وبقيمة نحو من مائة مليار دولار. وقد كانت ملكيتنا منها حتى عام 2008 أقل من خمسين مليار دولار. وهذا خبر لا يُسلم له بلا تمحيص.
فاحتياطاتنا، على الأقل حتى عهد قريب، كان غالبها في سندات. ومن أهم الشواهد على كونها سندات نجده في تصريحات معالي وزير المالية المؤكدة بأن غالب الاحتياطيات مستثمرة في السندات، وإن إطلاق مسمى صندوق سيادي على أموالنا في الخارج هو تعبير مجازي. والأصح إطلاق مسمى الاحتياطيات الأجنبية، وذلك في دفاعه عن الاستثمار المنخفض الكلفة في التسييل وفي المخاطرة.
الذي يظهر لي والله أعلم، أن السندات الحكومية الأمريكية المسجلة باسم السعودية، هي التي بلغت نحو 116 مليار والتي كانت أقل من من 50 مليارا قبل 2008 . معنى آخر، ان 116 مليار المعلن عنها هي سندات حكومية أمريكية تملك وزارة المالية منها 100 تقريبا وهي السندات الطويلة الأجل. ومؤسسة النقد تملك الباقي كغطاء للريال (أي القاعدة النقدية) وهو في سندات حكومية قصيرة الأجل تعتبر شبه كاش.
لكن ليست هذه القصة كاملة. فأنا أعتقد أن باقي غالب الاحتياطيات هي في صناديق استثمارات تستثمر في السندات الحكومية الآمنة، وفي السندات الحكومية الأمريكية. فإذا عرفنا أن السندات الحكومية الأمريكية هي افضل عائدا من جميع سندات دول جي 10. وعرفنا أن السندات الحكومية في العالم كله، لا تتجاوز قيمتها 20 ترليون، أكثر من نصفها مصدره الحكومة الأمريكية، ونصف النصف الباقي سندات لحكومات تعيسة، فلا بد أن تكون السندات الحكومية الأمريكية لها نصيب الأسد في موجودات صناديق الاستثمار.
ويشهد لصحة اعتقادي هذا، تصريحات وزير المالية قبل سنوات، بأن العوائز على الاحتياطيات بلغت 11%، والفائدة آنذاك قريبة من 1%، فلا يمكن أن تصل 11% إلا أن يكون هناك بيع وشراء للسندات. وهذا ما تفعله صناديق الاستثمار، ولا تفعله ساما بالمائة مليار التي كشفت أمريكا أرقامها. وطبعا، الاستثمار في صناديق السندات يكون بالوحدات. فالصندوق قد يمتلك 100 مليار من السندات الأمريكية ويكون غالبها للسعودية ولكنها ليست مسجلة باسم السعودية بل باسم الصندوق الاستثماري. وبهذا فالسعودية تملك وحدات في صناديق الاستثمار بالسندات الحكومية الأمريكية لو كشف عنها الستار لوجدنا أين هي احتياطاتنا. ولعرفنا أن الاخبار المشهورة التي تردد أن احتياطياتنا في سندات أمريكية، لها أصل صحيح، (ولا يلزم عموما أن يكون الخبر المشهور صحيحا).
لكن لماذا قررت الحكومة الأمريكية كشف سر 40 عاماً؟ أنا أعتقد لكي تُبقي السر سرا، ولماذا تريد أن تبقي السر سراً؟ أعتقد لتقطع لسان الشائعات وتخريصات التهديدات للأبد. فلماذا في هذا الوقت؟ أعتقد أن الشائعة الساذجة التي افترت التهديدات السعودية مع ألاعيب الكونجرس دفعت شخصا ما لابتكار هذا الحل، ولكل أجل كتاب. عموما فالخبر اليقين يعرفه من وراء الأبواب المغلقة، وبما أن الاحتمالات كثيرة فهذا يضيق احتمالية الصواب، فتبقى كل التحاليل تخرصات بعضها أقرب من بعض.