د. حمزة السالم
أول من احتال للربا وأسمى القرض بيعا والربا إجارة هم فرسان المعبد النصارى. فقد كانوا يحمون طريق الحج من أوربا إلى القدس. فكان الحجاج النصارى يستأمنون أموالهم عند مراكز قياداتهم قبل انطلاقهم في رحلة الحج. وتطور الأمر، فلم يعد استيداع الأموال خيارا بل جبرا على الحجاج بدعوى الخوف من غارة المسلمين عليهم. وهنا نشأ أول مفهوم للبنوك.
وبما أن الربا محرم تحريماً صريحاً في الإنجيل، تحايل فرسان المعبد على ذلك فأصبحوا يؤجرون الودائع للتجار والحكام مقابل أجرة سنوية معلومة. (وتنبيها، فهذا بيع لأن الأصل لا يعود نفسه، بل بدله). وأما الكنيسة والبابا والمجلس البابوي فقد التزم الصمت وأعرض بوجهه عن فهلوة فرسان المعبد وعبثهم بالدين. وما أشبه اليوم بالبارحة، وصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن».
وعندما تجاوز عبث فرسان المعبد الحد وتسلطوا على الناس، انقلب عليهم حكام أوروبا، وكانت تهمة تحايلهم على الربا بجعله عقد إجارة هي أحد أقوى التهم الواضحة للناس، التي مكنت الحكام من إبادتهم ومطاردتهم.
والمعتزلة سموا أنفسهم دعاة العدل والتوحيد ومشيخة البنوك والمال سموا أنفسهم دعاة أسلمة المعاملات، وكل يظن أنه المدافع عن الإسلام، {كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}.
المعتزلة فلاسفة أنزلوا الشرع على الفلسفة فأتوا بمصطلحات غريبة وجدال ومراء أضاعوا به الناس ففتنوهم وافتتنوا بهم. واليوم جاء أقوام فأنزلوا الشرع على الاقتصاد فنظروا إلى المعاملات بمنظار اقتصادي فهدموا أعظم أصل من أصول الدين ألا وهو النية، وقلبوا المنطق فعجز القانونيون عن حل قضاياهم إذ لا حل لما لا منطق له ولا اعتبار للنية فيه، وخلطوا بين المعاملات وعقدوها وأتوا بمصطلحات شعوذة لبست وخلطت على الناس ففتنوهم وافتتنوا بهم. ولو أنهم عرفوا الشرع حقا وأمنو أن الدين قد اكتمل، ثم انزلوا الاقتصاد على الشرع ونظروا إلى الاقتصاد بمنظار الشرع لما زلت بهم القدم.
وما أهون الاعتزال إذا ما قورن بعبث مشيخة البنوك. فالاعتزال لا يخلو من خير ومنفعة، وهو تربية العقل على الفكر والمنطق، والدفاع عن الإسلام، وأما عبث هـؤلاء فبعكس ذلك تماما, ولا خير منه مطلقا. فهو يهدم الفكر والمنطق في عقول هزيلة أصلا، وجعل الإسلام مسخرة أمام أهل الأديان الأخرى.
المعتزلة الأوائل أرهبوا الناس بقوة السلطان، وهؤلاء أرهبوا الناس بقذفهم بالربا وتفسيقهم إلا أن يوافقوهم على ربا المهرجين الذي ابتدعوه.
قام أحمد بن حنبل، إمام أهل السنة والجماعة، للمعتزلة ففند زركشتهم وأظهر فساد حلو كلامهم وأبطل فلسفة آرائهم فقام المتوكل أمير المؤمنين فأظهر دين الله ونصر سنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
لو لم يكن هناك المتوكل ما كان هناك أحمد بن حنبل، فمن سيحمل هم المسلمين؟