سمر المقرن
ما زلت اتأمل ذلك المشهد الموجع بعد زيارتي إلى متحف 11 سبتمبر في نيويورك العام الماضي، الصور المعروضة لبعض الإرهابيين كانت تفرض عليّ تأمل كثير من الأحداث التي عاصرتها منذ فترة طفولتي عندما كنّا ندفع ريالاً من مصروف المقصف لنكفل يتيماً في أفغانستان. من هنا بدأ الشريط، منذ أن تغيّرت حياتي كطفلة تلعب في شوارع حي الملز وتوفر من مصروفها لتشتري في نهاية الشهر لعبة من محل (العربي الصغير) و(أحمد جمال) إلى أن صار يذهب هذا المصروف للجهاد الذي ضحاياه هم شهداء تفوح دمائهم برائحة المسك والعود، أو أطفال تيتموا وبقيّت تلك الرائحة الجميلة عالقة بهم، ورائحة البراءة تدفعنا لننخرط في هذه الحياة الجهادية ونسينا الطفولة وصارت مرحلة المراهقة هي جزء من تبعات أفكار هؤلاء «المقدسون» العائدون من أرض الجهاد (أفغانستان) وصرنا نسمع قصصهم المليئة بـ»الكرامات» كما تذكرها لنا داعيات المدارس ونبكي ويعلو صوت النواح قاعات المدارس ومع البكاء تزيد العزيمة ويزيد التعاطف، ولم نكن وقتها نعلم أن ذاك التعاطف هو بداية «نهاية» الفكر السوي والمجتمع الطبيعي.
كل ما تأثرنا به خلال أكثر من ثلاثة عقود، راح خلاله وإلى اليوم مع الثمرات الإرهابية الجديدة، أقول نحن من تأثرنا به، نحن من يعيش إلى اليوم (فكراً وواقعاً) الأحداث المريرة التي تلتهب وتزيد اشتعالاً في عالمنا العربي وصرنا حطباً لأمريكا، التي خلقت فكرة الجهاد منذ أيام الاتحاد السوفيتي وأفغانستان، وخلقت لأجل معركتها أسطورة أسامة بن لادن، الذي انتهى دوره في هذه المرحلة ويعيش الآن مُنعماً في واشنطن أو نيويورك!
لا أذيع سراً ولا أبني إكتشافاً في هذا المقال، بل إن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة، قالت في كلامٍ متلفز ومعلن حقائق بداية إنشاء فكرة الجماعات الإرهابية وأعلنتها بصراحة عبر القنوات الفضائية أنها صناعة أميركية. وأضيف هنا أن أمريكا خلقت هذه الفكرة لكن في الوقت ذاته وجدت عقولاً خصبة تنمو فيها وتتقبلها وتُقاتل من أجلها، هذه العقول للأسف هي من منطقتنا وراح ضحيتها أبناؤنا.
إن فكرة مقاضاة دولة راعية للإرهاب، وإيجاد قانون يسمح للعائلات المتضررة هي فكرة جيدة لو طبقناها تجاه أمريكا، ولو قامت كل العائلات السعودية التي فقدت أبنائها بسبب الإرهاب بمقاضاة أمريكا، ولو قام كل مواطن سعودي تضرر من التشدد الذي أوجدته الأحزاب (الإخوانية- الصحوية) الذي رعته ودعمته وغلغلته في مجتمعنا أمريكا، أتوقع أن قانوناً كهذا سيكون نوع من الإنصاف الجزئي حيال ما خسرناه وما راح منّا وما سيذهب!