د. خيرية السقاف
تحدثني طبيبة شابة تعمل في إحدى المدن الطبية العريقة, بأن امرأة ساترة, وجلة, لا يكاد يبدو منها إلا سوادها تعتمره كل جزيئة فيها قد اقتربت من العيادة, وأوشكت, فدعتها للدخول فامتنعت وهو موعدها, وأخذت تتلفت كأنها في انتظار أحد ما, وحين لم يأت, وكاد الدور يذهب لغيرها, اتجهت ببطء شديد نحو العيادة وكان بها الطبيب الرئيس, وهي, والممرضة, في حين جميع الأبواب المؤدية مشرعة, إذ يبدو بعد حادثة طلقات النار التي شاع خبرها نحو طبيب شاب قد جعلت الأطباء في عياداتهم على وجل من المنفلتة أعصابهم, المتمرد جأشهم, وما إن خطت المرأة نحو داخل الحجرة بخطوات قليلة إلا أقبل رجل ينهر, ويزمجر, وهو يتوعدها بعقاب صارم في المنزل, والتفت للطبيب ينهر, ويسب, ويهدد, ويتوعد كيف يسمح لزوجه بالدخول قبل أن يصل..؟! الأمر الذي دعا طبيبا آخر بالجوار للاتصال بالأمن ليحضروا..
ما جعلني أورد هذا هو ما طرأ من أسلوب التهديد بالسلاح بين العامة ممن يفترض أن يكون بينهم السلاح مُهابا, خارجا عن ثقافة التعامل, والتعبير عن الغضب في السلوك الفردي, بعيدا عن خشية عواقب استخدامه كنتائج, وكعقوبة نظامية.
ولئن يسمح النظام باقتناء السلاح بترخيص, إلا أن استخدامه ضمن ضوابط صارمة, وطالما تهاون العامة به, فإن شأنا آخر بلا ريب سيكون تحت نظر, وتنفيذ الجهات المعنية بالأمر.
ما نقول هو إن كانت مثل هذه الأحداث في السابق تتم في بعد غير معلن في وسائل الإعلام, والتواصل, إلا أن كشفها الآن عامل قوي للتصدي لها, ولا أحسب أن الجهات الأمنية وحدها المسؤولة إذ لا يتوقف السلاح عند نوع ما يطلق به الرصاص فقط, بل هناك السلاح الأبيض الذي يتم استخدامه, وأية أداة صلبة, أو حادة أخرى.
القضية متعلقة بسلوك الفرد, بمدى ضوابطه الذاتية, وقواه العقلية, وتربيته الأخلاقية, والإيمانية, ومن ثم مفاهيمه, وعاداته, ورواسبه من كل ذلك, ومكوناته الفكرية.
الحاجة ماسة للتصدي من أجل تطهيره منها تطهيرا فاعلا, ضابطا, وموجِّها بل مستبدِلا خبراته السالبة بالموجبة.
لذا فالقضية ملزمة بها أكثر من جهة, وأكثر من مؤسسة في المجتمع, وتعكس خللا كبيرا في مصادر الفرد الذي يقدم على التهديد, أو تنفيذه نحو رجل, أو امرأة في أي مكان, وبأية صفة..
ندري بوجود مراكز بحث, ودراسة, وتقصي مختصة بالشأن الاجتماعي, ونعلم بأن جهودا كبيرة مفرَّغة لتصويب المسار الفكري, وتصويب خلل التربية, والتعليم, والتنشئة في المجتمع, ونثق بالنقلة النوعية المستجدة في أهداف صناعة الفرد لمستقبل آمن نفسيا, وعقليا, وثقافة, وتحصيلا, ومن ثم سلوكا في جوانب كثيرة تعمل عليها جهات مختصة, وأخرى تطوعية, ولعله أيضا دور المفكرين, وأصحاب الرأي ممن يكون لكلمتهم التأثير في مريديهم..
ولكي يعود الاطمئنان لكل من يمارس عمله في جهة اختصاص, ولكل من هو في مواجهة الناس فإن الأمر ذا بال, لا ينبغي النظر إليه كحالة عابرة, أو فردية بعد أن تكرر لأكثر من مرة في مدد قصيرة.