د. خيرية السقاف
كلا الصورتين تعكسان مدى ما يتعرض له الأطباء سواء من جهد يُبذل, أو حرج يكون..
الصورة الأولى لطبيبين أمضيا أكثر من يوم ونصف في إجراء عملية دقيقة لاستئصال ورم من المخ, لم يذكر الخبر اسميهما ولا نوع المريض, لكنه جاء بهما مستلقيين على أرض حجرة العمليات بعد وقوف مضن, ولا شك قد رافقه قلق وتوتر وحذر لدقة العملية وأهميتها, أحدهما يرفع إصبعيه علامة النجاح..
الطبيب الآخر الذي تعرض لطلق ناري أثناء أدائه عملَه ممن غضبه تجاوز حد العقل للجنون, وقد سلمه الله تعالى من نهاية ما كانت سترضي أي ضمير.
ولئن كشفت الصورتان عن أمر, فإنه للعامة بأن الطبيب إنسان متى ما نجح فرح, ومتى ما بذل أُجْهِـد, كذلك متى ما أمتثل لمهنته يصبح في مواجهة مع من لم يتخلص بعد بأساليب واعية من رواسبه..
فأرض حجرة العمليات كانت المكان الأقرب لجسدين فرغا من النشاط بعد أن استنزف الوقت في العمل منهما طاقة الحركة فيهما, في حين تعالى وجيب الروح فيهما ابتهاجا بنتائجهما..
بينما حجرة العمليات ذاتها كانت ملاذا لجسد الطبيب الآخر لاستخراج طلقتين استقرتا في جسده ضريبة أدائه لمهنته على غرة لا ترد في حسبان أحدٍ أبدا..
لذا لم يكن هناك من الإجراء المسبق ما يحميه من التعرض لمثل هذا الموقف..
والأبعد تفكيرا هو أن يقوم أحد ما بحمل سلاح داخل مصحة, فيمارس به نزقه, وانفلاته,
وصرعته.
الشاهد في القول إن الصورة هي المرآة الناطقة بتفاصيل صغيرة توصل صوت الفرح كما توصل صوت الألم, تكشف مدى العطاء, وتبلغ عما فيه من فائض النبض وإن كان ألما,..
هاتان الصورتان وسامان للأطباء الإنسانيين..
فلئن حُمد لهم الثلاثة فيهما صنيعهم, وتضحيتهم, وجهدهم, وتفانيهم, فإن الحمد موصول لمن أوصل هاتين الصورتين اللوحتين لنا.