د. خيرية السقاف
لم يكن المجتمع يقر فكرة أن تتقن المرأة مهنتي السباكة, والكهرباء, فكيف كان سيتقبل أن تعمل فيهما ميدانيا, لذا فإن تعلمهما, والتدرب عليهما, ومن ثم ممارستهما أمرا كان خارجا عن المعقول, حتى وقت قريب لم تَسُد هذه الفكرة, ولم يقبل بتنفيذها..
بينما كان لمؤسسة الملك خالد الخيرية السبق بفتح باب الاختصاص المهني بأعمال الصيانة للفتيات وذلك بتدريبهن لثلاثة شهور على مهارات المهنة يحصلن فيها على الخبرة المختصة في أعمال الإصلاح, ومعالجة الأعطال في تمديدات الكهرباء المنزلية, والسباكة وهي أكثر الحرف المطلوبة في المجتمع, وأشدها احتياجا للمهارة ودقة التدريب..
ولئن كانت الثلاث وثلاثون شابة قد قطعن قول كل خطيب, واقتحمن بثقة هذا الميدان وهن بكامل الثقة, والدافعية نحو احتلال مكان المهني الرجل بعد أن شح وجود المواطن في هذا الميدان, معلنات باختصاصهن, واحترافهن, وإقبالهن على أعمال الصيانة في الميدان عزيمةً فارقة, وشجاعةً متوقعة بما عُهِد من مبادرات مدهشة للفتاة المواطنة في مختلف الميادين, فإنها خطوة رائدة لمؤسسة الملك خالد تدعمها مبادرتهن هؤلاء المنخرطات فيها, من حصلن على إجازات التدريب, والاختصاص في معرفة الأعطال ومن ثم الإصلاح ليصبحن أول من يقتحم ميدانا كان عصيا على المجتمع أن يتقبل مجرد فكرته, فكيف بممارسته..؟!
أورد هنا على سبيل الاستشهاد أنه قبل أكثر من عقود ثلاثة ونيف من السنوات, حين أسند إليَّ عمل وكيلة عمادة شؤون الطلاب», أنشأت «وكالة العمادة لشؤون الطالبات», وجعلتُ ضمن نشاط طالبات إسكان جامعة الملك سعود تدريبهن على أعمال الصيانة, وعلى تقديم الوجبات في مطعم إسكان الطالبات, وعلى تعليم العاملات القراءة والكتابة, وكذلك الطباعة, وعلى البيع والشراء في «مقهى» خاص أنشأته لهن من مكافآتهن اختيارا يعملن فيه بالتناوب وقت فراغهن, اخترت لهن ساحة واسعة كانت مهجورة تحت النخيل لتصبح أجمل المواقع في سكن الطالبات, وقد أسهم في تحقيق هذا ذلك الدعم الذي قدمه بأريحية نفر من وجوه المجتمع, إلى جانب ما وفرته من ميزانية النشاط حينذاك, ولا أنسى كيف سعدن جميعهن بهذا النشاط, وطبقن ما تدربن عليه حيث ينزلن تحت الإشراف..
إن التجارب الفاعلة, توطد للاستمرار حين يدعمها المجتمع, والقرار, وتخرج من نطاق الفكرة والأمنية, إلى نطاق المعرفة, والدربة, والممارسة, والإقرار..
فتجربة خريجات مؤسسة الملك خالد الخيرية في أعمال السباكة والكهرباء حرية بالدعم, تستحق التحية والإكبار, حيث شقت الطريق, وأعلنت المسار بشجاعة وثقة..
وفقهن الله.