د. محمد عبدالله الخازم
مؤسسات التعليم العالي الأهلي، ربحية أو غير ربحية، تعتبر كيانات اقتصادية، لكن الصورة غير واضحة حول أصولها و مواردها ومصروفاتها وأرباحها ونشاطاتها المالية. نقدر أهداف مؤسسيها بتقديم التعليم كمنتج يأتي امتدادا لمشاريع شركاتهم الأم، لكننا نتساءل لماذا تخلط أوراق جامعاتهم وكلياتهم بمؤسساتهم الأم؟ لماذا لا تصدر ميزانيات محددة سلفاً ويكون هناك أنظمة محاسبية واضحة ومستقلة لجامعاتهم وكلياتهم؟ ولماذا لا نلحظ مسؤوليتهم الاجتماعية في مجال نشاطهم الأساسي قبل التوجه للنشاط التعليمي؟ لماذا لا نرى مسؤوليتهم الاجتماعية في توظيف المواطنين وبالذات مخرجات الكليات التي أسسوها في مؤسساتهم؟ لماذا - وبعضها تجاوز عمره العشر سنوات- لا نرى تؤسس الأوقاف الداعمة لها، ولا تدعم البحث، ولا توظف المواطنين، ولا تساهم مجتمعياً؟
هي أسئلة حساسة لكنها مهمتنا طرحها لأجل المبادرة بالتطوير وعدم الانتظار حتى تقع الفأس في الرأس ونكتشف ما لا تحمد عقباه. يجب أن لا نترك الأمر على هوى التجار، دون ضوابط تضمن استقرار المؤسسات التعليمية. أو ننتظر نموذجا سلبياً يسيء لمن يعملون ويبذلون بإخلاص في هذا المجال. بعض تلك الجامعات غير ربحية ورغم ذلك لا نرى لها أوقافاً ولا مشاريع استثمارية، فأين تذهب أرباحها؟ وبعضها تجارية لا نعرف هل أصولها ومصروفاتها وأرباحها، ولا ندري هل هي مستقلة أم تتداخل مع مشاريع غير واضحة المعالم...
يجب التأكيد على تسجيل الجامعات والكليات الأهلية ككيانات اقتصادية أو تجارية وفق الأنظمة المرعية في أي نشاط تجاري، وأن يتبع ذلك إجبارها على إعلان ميزانياتها السنوية وفق نظام الشركات المتعارف عليه بعد مراجعتها عن طريق محاسبين قانونيين معترف بهم. هذا الأمر سيدعم التشريع والرقابة لتلك الكيانات، بدءاً من الاطلاع على أوضاعها المالية، وتطوير أنظمة حوكمة واضحة لها، وانتقالاً إلى فرض معايير محددة تتعلق بأدائها، كأن تفرض عليها نسب لتوظيف المواطنين ونسبة من الأرباح تحول لدعم البحث العلمي ونسب لدعم المنح الدراسية وغير ذلك. الجامعة الأهلية ليست مجرد بقرة حلوب للمستثمر يستـنزف التاجر جميع مواردها دون توفير جزء من أرباحها للتطوير والبحث والأوقاف والخدمات المجتمعية وغير ذلك. لا يجب أن نسجل كلية تحت مسمى منظمة غير ربحية، فنجد القائمين عليها يتوزعون أرباحها ولا يعيدون تدويرها في مشاريع تخدم الجامعة...
مؤسسات التعليم الجامعي الأهلي كيانات اقتصادية يجب أن توضع لها الضوابط المالية والإدارية الصارمة. لا نريد الانتظار حتى نكتشف ممارسات سلبية مالياً، إدارياً أو أمنياً. لا نريد أن نراها نسخة من أنديتنا الرياضية، لا نعلم مواردها ولا مصروفاتها وتحيط بها الأقاويل من كل حدب وصوب...
نشكر رئيس الكيان التجاري الذي أسهم في تأسيس المؤسسة التعليمية، لكننا نحذره بأن العمل الأكاديمي له معاييره ومكوناته ويجب أن يستقل عن بقية مشاريعه، مالياً وإدارياً وأكاديمياً.