د. محمد عبدالله الخازم
تكررت الأفكار و الحلول الشاملة والإستراتيجيات التي قدمها أكثر من زير صحة سابق لكنها لم تنفذ كما يجب. أفكار مثل نظام الرواتب، التشغيل الذاتي، الرعاية الأولية، توحيد الملف الطبي، التأمين، التخصيص وغيرها من المشاريع الرنانة والطموحة. ليست جديدة وليست كلها سيئة، لكنها لم تنجح لأسباب عدة، أهمها قيام وزارة الصحة المثقلة بهمومها ومشاكلها البيروقراطية التنفيذية مهام التشريع ووضع الأنظمة لتلك الأفكار. قدرات الوزارة متواضعة وبقية القطاعات لا تتجاوب لأسباب ليس المجال التوسع فيها.
ربما يسأل البعض عن دور المجلس الصحي؟
للأسف؛ بعد عشر سنوات من عمره يمكن القول بأنه فشل في أداء المأمول منه. لأنه مجرد لجنة توافقية تمثل الجهات، يناقش قضايا هامشية وصغيرة، ولم ينتج قرارات وطنية تستحق الذكر...
ما هو الحل؟
الحل هو تأسيس هيئة تنظيم الخدمات الصحية بديلاً للمجلس. وحتى لا نسارع بالرفض لمجرد أن فكرة تأسيس جهاز بيروقراطي جديد، غير إيجابية، أشير إلى أن الهيئة المقترحة تنظيمية ليست بديلة للصحة في مجال تقديم الخدمات الصحية ولا تتطلب فروعا ومقرات وجيوش من الموظفين، بل مقر صغير يعمل به خبراء في المعلوماتية والتخطيط والتنظيم الصحي...إلخ. هيئة مستقلة عن اي قطاع صحي وليست مجرد لجنة أو مجلس يمثل لقطاعات المختلفة. هيئة معنية بتنظيم الخدمات الصحية كجهة تنظيمية تشريعية تعمل على تطوير منظومة الخدمات الصحية على المستوى الوطني وليس وزارة الصحة فقط.
الهيئة المقترحة يمكنها القيام بأعمال تشريعية وتنظيمية عديدة، أقترح منها الأتي:
أولاً: وضع التنظيمات المتعلقة بالكوادر البشرية. والمطلوب هنا هو كيف نجعل من عمل الممارس الصحي أو الطبيب ذا جدوى اقتصادية عالية، ومهنية، بحيث يستفاد منه عبر أكثر من قطاع ووفق الوظائف المطلوبة، سواء الخدمية أو التدريبية. بمعنى آخر، نحتاج نظاما مرنا، يجعل من الطبيب قيمة يستفاد منها وطنياً، بغض النظر عن مرجعيته المؤسسية. حاليًا، رغم قلة الأطباء فإنه يضاف إلى ذلك هدر كبير في الاستفادة منهم بشكل أمثل، فنجد منهم صاحب التخصص النادر في مستشفى لا يستفيد بشكل مثالي من تخصصه، وهناك أطباء تخصصات نادرة متفرقون بين أكثر من مؤسسة بشكل يجعل الاستفادة منهم غير مثالية، وهناك جهات لا تقدر التخصص الطبي كالآخرين فيهرب منها المتميزون؛ ويتكدسون في مؤسسات محددة، وهكذا. هناك ضعف في التنسيق بين المؤسسات في إخراج برامج تدريبية متقدمة، وفي تبادل الخبرات وغيرها..إلخ. ولا ننسى قضايا الكادر الصحي وأليات عمل الأطباء في القطاع الخاص وغير ذلك من القضايا المتعلقة بالكوادر البشرية.
ثانيًا: التنسيق والتنظيم على مستوى الخدمة السريرية بين جميع القطاعات وهنا يصبح المطلوب وجود مظلة تنظيمية تنظر للخدمة الصحية من منظور التكامل الرأسي على مستوى الرعاية من أساسية إلى متقدمة، وأفقيًا على مستوى توزيع ونوعية العيادات والمراكز وتكاملها بدلاً من تكرارها بشكل يخل بأدائها. يجب تطوير التعامل مع الأمراض على المستوى الوطني وقد كشفت كورونا وماسبقها من حالات طارئة ضعف التعامل الوطني معها. كما يجب تسهيل انتقال الملف الطبي من مستوى إلى آخر، ومن مؤسسة إلى أخرى. بمعنى آخر، التأكَّد من تقليص الفجوة والفراغ والتكرار في الفحوصات والاختبارات والخدمات الذي يحدثه وجود جهات أشبه بجزر معزولة عن بعضها في تعاملها، كل مع الأخرى.
ثالثًا: التنسيق على مستوى الأنظمة الوظيفية؛ المشتريات، المعلومات الصحية، التخطيط الإستراتيجي، الجودة وغيرها. قد يبدأ ذلك على مستوى الوحدات عن طريق المشاركة في السياسات واللوائح والمعلومات، وغير ذلك. على أن الهدف هنا هو التكامل والتنسيق وتبادل المعلومات والاستفادة من الموارد المختلفة، وليس المركزية.
رابعاً: المساهمة في تبني/ اتمام دراسات المشاريع التنظيمية الوطنية التي بدء فيها والعمل على تطوير تشريعاتها مثل التأمين أو التشغيل عن طريق القطاع الخاص وغيرها من المشاريع...
القطاع الصحي معقد وذو طبيعة متغيرة و أملنا في معالي وزير الصحة صاحب الخبرة العريضة في مجال التنظيم، تبني فكرة تأسيس هذه الهيئة المعنية بالتنظيم والتشريع والتخطيط للخدمات الصحية على المستوى الوطني، ومدها بالقوة النظامية التي تسهل عملها عن طريق الجهات العليا. نريد تفرغ وزارة الصحة وبقية القطاعات الصحية الحكومية والأهلية لتجويد عملها في تقديم خدماتها وإتمام مشاريعها، كجهات تنفيذية.