د. خيرية السقاف
كلما مررت بشوارع الرياض وهي في كامل فوضاها, أؤمل النفس بآتٍ تعيد فيه ترتيبها, هدوءها, وتُفرضَ نظامها, فالقطار قادم, ومحطاته مراكز التجمع ستلمُّ عبثَ العربات المارقة, وستخفف زحمة الراكبين الفارطة, وستلبس هذه المدينة الفارهة حلة الانسياب النسائمي كما المدن العالمية الكبيرة التي لاشك قد مر بشوارعها, ونزل بممراتها غالبية القاطنين هذه الرياض الطيبة..!
كلما وجدت نفسي مُغرقة في غيابة الإشارات المرورية, وطول المسافات بين الأحياء في الرياض العامرة, أخذت أقلب بصري في وجهها الذي تغير,..
هذه العمارات فارهة الطول, وتلك الأبراج مُحاكية السحب, والشوارع المتعرجة حاملة الجسور, والخطوط الدائرية المتجهة لكل العلامات, والطرق الطويلة نحو امتداداتها النامية,
كلما غصت في موجها تذكرت حيَّنا السكني القديم «الملز» وكيف كنا حين نخرج من بيوتنا لشوارعه القريبة المفضية لبيوت معارف الوالدَيْن, نكاد نشعر بأننا في رحلة ترفيه, والمسافات حينها لمحات عين, وحين امتد طريق العليا في مقتبله كانت وجهتنا إليه لاكتشاف كيف أصبحت الرياض «مدنا» داخل مدينة!!
الآن وفق هذا المنظور الطفولي, أتكون الرياض بُلدانا في بلد..؟!
هي كذلك في المرأى الشمولي لمضامينها, ومكوِّناتها من الطُرُز المعمارية, ويافطاتها وأعمدتها, ومختلف الألسنة فيها, وتباين المكونات الفكرية, والعقدية, واختلاف العادات, والغايات لساكنيها..
أعود في وقفتي انتظار انفراج لون الإشارة بأخضر العبور, أن أتحلل من قبضة أحمرها لآتي وجهتي, فيخاتلني القطار باستشرافه..!!
تلك التي تبعث عشرات الأسئلة في التوقع, لعل أولها الملح: ما الذي سيفعله من يملك عشرات العربات, وأكثر من سائق, وتعوَّد على دعة الجلسة في عربته امرأة, ورجلا حين يكون القطار أول متاحات تخفيف عبء المركبات الفائضة عن المدينة, والقبض على ترف السلوك العام للناس..؟ وللسؤال ذوائب: هل بسهولة سوف تتغير عاداتهم الاستهلاكية..؟!, أو أن القطار سيخدم المضطر فقط..؟ ويكون حينها مظهرا كأي مظهر اسْتحدث مع أي طفرة في مجتمعنا..؟
إن الرياض المدينة, وهي تصبح علامة مميزة بين مدن العالم تستحق أن يفكر لها كل ساكن فيها, ويبادر من أجلها, فيتفاعل إيجابا مع معطيات تطورها..
والقادم كشَّاف.