محمد بن فهد العمران
لا يختلف أحد على أهمية التخطيط الإستراتيجي طويل المدى لجميع دول العالم لما يقدمه من فوائد عظيمة وعديدة لا حصر لها، ولهذا السبب نجد جميع الدول تقريباً (وتحديداً الدول النامية) تتسابق مع بعضها البعض في وضع الرؤى والخطط الإستراتيجية ثم العمل على تنفيذها لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة ضمن آلية عمل تهدف لتعزيز مستويات الإنتاج ورفع معدلات التوظيف والأهم جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي حتماً لن تأتي برؤوس أموالها و تقنياتها إلا عندما تشاهد التزاماً طويل المدى من الدول يتوافق مع رؤية وخطط المستثمرين الأجانب أنفسهم.
ومن هنا تأتي أهمية ثبات واستقرار الرؤى الاقتصادية التي تضع الدول على نفسها لفترات زمنية طويلة (تزيد في الغالب على 10 سنوات) بهدف كسب ثقة المستثمرين على اعتبار أنهم سيقومون بضخ أموال طائلة وبالتالي يكون من حقهم الطبيعي أن يكون هناك ثبات واستقرار من جانب الدول، بينما ستبرز الكارثة في حال تغيير هذه الرؤى الاقتصادية لأي سبب من الأسباب مستقبلاً وعندها ستكون التكاليف عالية جداً وغير مادية، وسيكون إعادة البناء أكثر صعوبة واستهلاكاً للوقت من الهدم، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة ومن دول عربية شقيقة مع الأسف الشديد!!
بالنسبة للرؤية السعودية 2030م، فلا شك أننا فرحنا بها جميعاً ونشجع على تنفيذها لكن المهم هو الالتزام التام بعدم تغيير مضمون هذه الرؤية بأي حال من الاحوال ومهما كانت الظروف مستقبلاً وإلا فإن النتائج العكسية لأي تغيير ستكون خطيرة ومكلفة كثيراً لأننا وبكل بساطة سنفقد المصداقية مع أنفسنا ومع الآخرين وسيكون الاقتصاد السعودي هو الضحية مهما كانت المبررات، وربما يتم تصنيفنا ضمن بعض الدول العربية التي تضع رؤى اقتصادية وتدعي أنها تقوم بإصلاحات اقتصادية تستهدف جذب الاستثمارات ثم بعد ذلك تقوم بتغيير الرؤى لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وهذا بالتأكيد خطير جداً.
وحتى ندرك أهمية ثبات الرؤية السعودية دون أي تغيير خلال الـ 15 عاماً القادمة بإذن الله فيجب أن نضع مقارنة مع بقية الدول المتقدمة أو النامية التي سبقتنا في وضع الرؤى وتنفيذها ثم نجحت في ذلك نجاحاً باهراً، حيث سنجد أن أهم عوامل النجاح تمثل في الثبات والاستقرار برغم تغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها خلال فترات زمنية طويلة لا تقل عن 15-30 سنة، ومن أهم هذه الدول الولايات المتحدة (من بعد الكساد العظيم) وبريطانيا (منذ عهد السيدة تاتشر) واليابان (بعد الحرب العالمية الثانية) وسنغافورة (منذ الخمسينيات) وتركيا (منذ بداية الألفية) وكوريا الجنوبية (منذ السبعينيات) وماليزيا (منذ التسعينيات).