محمد بن فهد العمران
مع إعلان نتائج الشركات السعودية عن نتائجها المالية للربع الأول من هذا العام ظهرت نتائج البنوك التجارية بصورة أكثر من إيجابية بالمقارنة مع نفس الفترة من العام 2015م أو بالمقارنة مع الربع السابق (نمو سنوي بنسبة 5% ونمو ربعي بنسبة 16%) على الرغم من الهبوط الحاد لأسعار النفط وارتفاع مخصصات الديون المعدومة، وظهور أزمة سيولة نقدية تركزت في القطاع البنكي مع انكماش المعروض النقدي والذي بدوره أدى لانكماش حجم الودائع، لكن السؤال المهم: كيف تمكنت البنوك من تحقيق هذه النتائج الإيجابية في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة؟ وعلى حساب من؟
للإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن نفهم أولا ماذا فعلت البنوك خلال آخر 12 شهرا،حيث نجد أنها بالرغم من تعزيز محافظها الاستثمارية بسندات سيادية أصدرتها حكومة المملكة بقيمة تزيد على 100 مليار ريال كما يعلم الجميع إلا أنها بالمجمل وبشكل مفاجئ خفضت من الحجم الإجمالي لمحافظها الاستثمارية مما يدل على قيامها (وبشكل مكثف لم يسبق حدوثه منذ سنوات طويلة جداً) ببيع سندات دولية مقومة بعملات أجنبية رئيسية بقيمة تزيد كثيراً على 100 مليار ريال، حيث عمدت لذلك مضطرة بهدف توفير السيولة النقدية بعد ارتفاع أسعار السايبور إلى مستويات قياسية ودخولها مع بعضها بعض في منافسة شرسة على استقطاب الودائع الجديدة وإن كانت بخسارة.
ثم بعد ذلك قامت البنوك من طرف بتعزيز حجم محافظها الإقراضية (في ظل وجود طلب قوي من المقترضين) ومن طرف آخر برفع هوامش الربحية التي تفرضها على المقترضين (سواء كانوا جددا أم حاليين) بالرغم من أن مؤسسة النقد لم تقم برفع أسعار الفائدة الرسمية بعد، آخذين في الاعتبار أن هوامش الربح المحققة في المحفظة الإقراضية تزيد كثيراً على هوامش الربح التي كانت تحققها في السندات الدولية إضافة إلى أن مؤسسة النقد سمحت للبنوك مؤخراً بزيادة نسبة القروض إلى الودائع من نسبة 85% إلى نسبة 90%، وهذا بدوره ساهم بشكل كبير في تحسن أرباحها الصافية بالرغم من الزيادة الملحوظة في مخصصات الديون المعدومة وخصوصاً في الربع الأخير من عام 2015م.
قد يكون ما فعلته البنوك يعتبر جيداً في نظر بعضهم إلا أن الواقع يشير إلى أن المخاطر تزايدت أكثر وأكثر على أدائها المالي مستقبلاً، حيث إن تخفيض حجم محافظها الاستثمارية لحساب زيادة حجم محافظها الإقراضية يعني زيادة تركيز أصولها بدلاً من تنوعها، كما أن قيامها برفع هوامش الربح على المقترضين يعني تحميلهم أعباء أكبر، وهذا حتماً سيؤدي لزيادة تدريجية في معدلات التعثر وبالتالي زيادة مخصصات الديون المعدومة أكثر وأكثر، علماً أن المتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة على الريال السعودي في المستقبل القريب وهذا سيشكل ضغطا جديدا وأكبر على المقترضين للوفاء بالتزاماتهم، ناهيك عن التأثيرات السلبية المتوقعة لتخفيض التصنيفات الائتمانية الخاصة بعدد كبير من البنوك التي لم نشاهد انعكاساتها بعد.
من جانب آخر وبشكل مفاجئ أيضاً، قامت البنوك السعودية بتعديل سياساتها التسعيرية المتعلقة بأسعار صرف العملات الأجنبية ورسوم الخدمات بما في ذلك السياسات التسعيرية التي تمنحها لكبار عملائها (كتخليها مثلا عن تثبيت سعر تحويل الدولار الأمريكي عند سعر 3.75 ريال وفرض هوامش ربح إضافية) وكل ذلك لأجل تعزيز إيراداتها غير المرتبطة بالعمولات اعتقادا منها بأن ذلك سيؤدي إلى تنويع مصادر الإيرادات، إلا أن ذلك أيضاً ستكون له انعكاسات سلبية على الأداء المالي للبنوك مستقبلاً خصوصاً وأن محاولاتها السابقة لتنويع الإيرادات بعيداً عن العمولات (وطوال عقود من الزمن) جميعها باءت بالفشل الذريع.