د.ثريا العريض
قالت لي: أحاول أن أبقى مثلك متفائلة في هذه الأجواء التي لا تشجع على التفاؤل. لا أجد حتى الآن إشارات واضحة تشير إلى أن إيجابيات ستتحقق بالنسبة للمرأة. كل ما نراه هو استعراض لمنجزات فردية يصفق لها قلة ونبقى الغالبية نعاني.
قلت: لا أختلف معك.. ولكني أجد تفسيرًا لما يجري من تباطؤ في كون التحديات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي نواجهها حاليًا في إطار عضويتنا كدولة إقليميًا ودوليًا، لشدة ضغوطها على أولويات صنع القرار لا تترك مجالاً للتركيز على احتياجات استكمال مواطنة المرأة.
ومع هذا فإن نفس هذه الظروف الضاغطة هي ما يستدعي أن نواصل بذل الجهد والعمل لاستكمال ما تحتاجه المواطنات.
التحديات الاقتصادية داخليًا التي تستلزم التقشف في مصروفات الأسرة تعني أن هناك حاجة لتفعيل المرأة للعمل لتشارك براتبها في سد احتياجات الأسرة للعيش الكريم.
وتحديات العلاقات الخارجية تستدعي أن تتغير بقرار رسمي أوضاع المرأة وموقعها مجتمعيًا لتنال حقوقها المشروعة، وتتوقف التهم التي توجه لنا كمجتمع من إساءة معاملة النساء وحرمانهن من حقوقهن.
والتحديات المجتمعية تستدعي أن تحضر في الحيز العام المرأة مؤهلة ومدربة ومحترمة، لتفرض بثقتها بنفسها تغير أسلوب التعامل معها كدمية قد تنكسر، أو عورة لا بد من إخفائها.
والتحديات السياسية الأمنية تفرض أن تكون المرأة راضية عن موقعها من معادلة المواطنة لكيلا يحولها الشعور بالقهر إلى شوكة في خاصرة أمن الوطن.
ولكي تنشئ أبناءها على قيم الولاء والانتماء لأنها هي ذاتها تشعر بالرضى والانتماء والولاء. فلا نسمع أن مواطنات انضممن لداعش أو أي جهة أخرى تسعى لتفتيت الوطن.
وما يشجعني على البقاء متفائلة أنني اشعر بحق أن الجو العام يتغير فعليًا دون صخب خطابي. وأن ما يتحقق أكبر بكثير مما يعلن عنه. ويبقى الكثير مما أود أن أرى يتحقق.
والأمر لا يتعلق برغبوية فردية تجعلني أرى الأمور إيجابية عبر عدسات وردية. بل انظر عبر عدسات حيادية تماما. أرى النقاط السوداء في النسيج الأبيض.
وأرى البياض وهو يتمدد إذا نخرج من عتمة الإتكالية إلى ضوء الثقة بالنفس. هناك رغبة حقيقية لإدخال المرأة في معادلة المواطنة.
وهناك إصرار على إبقاء المجتمع مستقر الأواصر دون أن ينحدر بخوفه على بناته ونسائه إلى شل حركتهن والحجر عليهن تخوفًا من «إنفلات الأوضاع».
أنا معك نحتاج إلى قرارات عليا تجعل تمكين المرأة واكتمال مواطنتها وحماية حقوقها واقعًا.
ويبقى أن المجتمع يتطور فعلاً، والدليل هو هذا الجدل الصحي الذي نسمعه حول دور المرأة وحقوقها.
المثل الفرنسي يقول: فتش عن المرأة.
ونحن نحتاج أن نفتش عن قدرات المرأة لنفعلها خارج صندوق الدور التقليدي. نفعلها في كل مجال ممكن إلا ما يحاول البعض أن يختزلها فيه؛ جاذبية الجسد جنسيًا.
فتش يا وطن عن المرأة لتكتمل بكل طاقاتك. وامنحها حرية الحركة والهوية واتخاذ القرار لتحلق أنت بجناحين وتكتمل ملامحك الحضارية.
فتش عن المرأة وقوها بكل صلابة حقوق المواطنة وحرية ذاتية الخيار لتكون الساعد الآخر في البناء المجتمعي الجديد المتوازن.
عندها ستجد المرأة الكنز الحقيقي، لا المرأة الممنوعة من الكيان.
بهدوء أقول لحكومتنا ولمجتمعنا: المرأة كنز فعلاً، ولكن ليس كممتلك للإخفاء في خزائن أسمنتية. المرأة كنز كطاقة مجتمعية بناءة للاستثمار.