د.ثريا العريض
أقرا في تويتر كثيرا من التعليقات الساخرة والتشكيك في أن النقاشات في مجلس الشورى لا تدور حول ما يهم المواطن!! وكثيرا من التأكيدات أن رأي المجلس لا يمثل رأي المجتمع ولا يرضي رغباته!!
والأمر ليس بهذه البساطة! عن أي مواطن نتكلم؟
هل هناك رأي للشورى غير رأي أغلبية الأصوات فيه؟ 150 صوتا قلما تتفق بالإجماع على أي قرار. وهذا هو الطبيعي والمتوقع: الشورى يمثل «المجتمع»، والمجتمع فئات متعددة تختلف حول أي قضية من منطلق مصالحها؛ والمواقف ليست دائما مثالية. على الأقل ليس من وجهة نظر المعارضين، أو المتخصصين.
اليوم المرآة العامة التي تعكس مواقف ومرئيات كل فئات المجتمع بكل مثالبها ومثالياتها وأنانياتها هو تويتر. مع العلم أنه وسيلة قابلة لدس الآراء الموجهة لخدمة أجندات وأهداف خارجية وعدائية.
كل يوم تأتيني مئات الرسائل بطلبات متناقضة كل منها تضغط علي - كعضو في الشورى- لتفهم رأيها ومطالبها وتمثيلها. وأكرر طلبات متناقضة.
وضعت في تويتر تغريدة أقول: «المجتمع» لا يرفض أن تقود المرأة السيارة. يرفض أفراد؛ ويود أفراد. ومن حق الجميع أن يتحقق «لهم» الخيار الذي يفضلون دون فرضه جبريا على الكل.
صيغة لا يمكن أن يجيبها أحد بالنفي، وإن استطاع أن يضيف وراءها «ولكن» ويعدد سيلا من الملاحظات ضد تحققها، أو يصفّ شروطا تعجيزية تجعل تحقيقها مستحيلا. تظل المواقف فردية ولا رأي بينها يمثل كل «المجتمع».
ويمكننا تغيير موضوع سياقة المرأة بأي قضية أخرى.
الأمر يتعلق بالمطالبة بحرية التعبير على ساحات التواصل العامة.
فكل فئة تطالب بحرية التعبير إلا عما يمس مصالحها أو رغباتها سلبيا. أي أن المطالبة بحرية التعبير تأتي بشروط السماح بالازدواجية والاقصائية؛ إن لم يكن المطالبة بتجريم الرأي الآخر أو حتى معاقبته.
قرأت لأحدهم معلقا على أسلوب التواصل القائم الآن أن ساحات التواصل الاجتماعي: تويتر والفيسبووك والسناب شات هي البرلمان الفعلي الذي يمثل ما يدور في ساحة الأقوال والأفعال على أرض الواقع. الأمر ليس بهذه البساطة.
هناك فئات وفئات وملايين الأفراد من المواطنين والمواطنات.. كل منهم له رغبات وطلبات وتفضيلات. تحقيق طلبات بعضهم يتناقض مع تحقيق رغبات آخرين. لننظر مثلا إلى المطالبة بحقوق العاملين في سلك التعليم وحقوق الطفل؛ هل الأولوية لحق الطفل في أن يعلمه مدرسون مؤهلون بالمهارات التربوية وقادرون على تعليمه، أم الأولوية لتوظيف المواطن العاطل المحتاج الذي يبحث عن وظيفة؟ ويفضلها في سلك التعليم لأنه يراها وظيفة مقدور عليها بمجرد حمله شهادة ورقية في أي تخصص نظري؟ أم الأولوية هي أن يعلم الطفل من يقولبه في نمط تفكير خاص ويملأ فراغ المعرفة عنده بمعلومات قد لا تنفعه ولا تنفع مجتمعه.
في ساحات الحوار هناك عروض لكل وجهات النظر التي تسعى لارتهان الآخر لخدمة أغراضها. ومواقف المطالبين والمتحاورين كثيرا ما تتعدى الحوار ومناقشة الآراء المختلفة إلى الجدال المتوتر القابل للتفجر رفضا للرأي الآخر.. بالذات حين يكون تقبل أو رفض رأي الكاتب متجذر في موقف شخصي مسبق من صاحب الرأي أو صاحب الرؤية وليس حول الأفكار المطروحة.
حين ينصب أي فرد نفسه لينتقد أو يطالب باسم «المجتمع»، بلغة فصيحة أو متهالكة، أرجو أن يتذكر أنه فرد، ولو عبر عن رأي مليون فرد يتفق معه، سيظل لا يعبر عن رأي «المجتمع». لأن ذلك مستحيل.