زكية إبراهيم الحجي
قيل إن الصورة الواحدة قد تكون أبلغ في معناها من ألف كلمة وكلمة.. فيكفينا ونحن نقلّب صفحات أقدم كتب تاريخ البشرية والحضارات الإنسانية وما تخللها من ثورات وحروب وصراعات وثّقتها مجموعة صور تجسد أوضاع ومآل تلك العصور «يكفينا» أن النظر يسبقنا إلى تأمل الصور قبل قراءة عبارات الأحداث.. فمشاهدة بعض الصور والتمعن فيها ربما يختزل كل تعبير بالكلمة مهما كان عمق المعنى وقوة تأثير الكلمة.. وما أكثر الصور التي ما زالت محفورة في الذاكرة كصور ضحايا الحروب والتشرّد والمجاعة وضحايا القمع والاستبداد وقطع الرؤوس وحرق الجثث.
سياسة الصور تبقى دائماً مصاحبة لسياسة ضخ المعلومات والأخبار للأطراف التي تخوض الحروب.. وفي العصر الراهن عصر العولمة وبفعل التطورات التكنولوجية الهائلة.. أصبح للصورة وما تحويها من رموز وإشارات سلطة وقوة تفوق اللغة وحدة بناء المعاني والاتصال ونلمس ذلك جلياً من كم الصور التي نشاهدها يومياً ويتم تداولها من خلال وسائل الاتصال التقليدية أو الحديثة كوسائل الاتصال الاجتماعي ومواقع الشبكة العنكبوتية مما يجعل أعين وأقلام الباحثين والمراقبين تنصب حول الصورة لاستكشاف ماهيتها ومكامن قوتها.
ولأن الصورة أصبحت محركاً قوياً للمشاعر ومؤثّراً بالغ التأثير في نفوس متابعي المشاهد والأحداث.. والأيقونة المتسيدة على الكلمة والأداة الفعَّالة في الدعاية فقد تم توظيفها إعلامياً بشكل يفوق توظيف الكلمة آلاف المرات.. لكن السؤال الذي قد يتوارد في الأذهان.. ماذا لو كانت الصورة تكذب.. ماذا لو كانت لا تجسد حقيقة ما يحدث على أرض الواقع؛ بمعنى هل تكون الصورة مفبركة لتأخذ أبعاداً أوسع في الجذب وتشكل بعنفوانها الرمزي تأثيراً على المتلقي ما لم تستطع عليه وسائط أخرى.
تساؤلات تثير الإشكالية المتمثلة في المصداقية التي ظلت تنعم بها الصورة عند النقاد وعامة الجمهور في الوقت الذي كانت فيه النصوص موضع نقد وتدقيق منذ آلاف السنين
في هذا العصر المتأزم بالإرهاب والحروب والصراعات.. والتنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة والجماعات التكفيرية تحولت الصورة إلى سلاح وأداة فعّالة إستراتيجياً لخدمة العدو.. ولنأخذ مثالاً على ذلك تنظيم داعش فقد أدرك هذا التنظيم أننا في عصر الصورة وأن هناك تسيداً للصورة على الكلمة من هنا كانت الصورة آليته لإثبات نفوذه في العالم.. لذا ليس ببعيد عليه أن يعتمد على سياسة إعلامية احترافية وبتقنية عالية بحيث يغلب على الصورة رموز نفعية يهدف من خلالها إرسال سياسة معينة إلى العالم فالرمز والصورة جزء أصيل في رسالة هذا التنظيم.. وقد نجح في ترسيخ صورة ذهنية له في العالم وأثبت أنه كيان إرهابي استثنائي في عالم الجريمة والوحشية من خلال توظيف التقنية العالية في تجسيد الشر وتصوير كثير من المشاهد المتوحشة كقطع الرؤوس والحرق وقتل الرهائن.. ولكن إذا كان تضخيم الأحداث بالإضافة إلى الخداع والإيهام إحدى خصائص صور الحروب فإن تلك الصور وما تتضمنها من رموز قد تتصل بالواقع لكنها وفي أغلب الظن ليست الحقيقة بحذافيرها.. ونحن في حقيقة الأمر لا نعيش في عصر الصورة فحسب، بل عصر حرب الصورة الوحش الذي لا يردعه أحد.