زكية إبراهيم الحجي
حياة الناس على وجه الأرض في تغير مستمر كتغير سطحها.. وكما الفرق بين رجل الصحراء في بساطته وعفويته.. وخيمة يضرب بأطنابها في صحراء يباب خلال حله وترحاله وبين رجل المدينة يعيش أسباب الترف والرفاهية.. فهكذا الشأن في كل مرفق من مرافق الحياة وكل نظام من نظم المعيشة ولو قارنا بين شأن إنسان الماضي وشأن إنسان الحاضر لأدهشنا ما دخل عليه من تغير مختلف تماماً عما كانت عليه حياة إنسان الماضي تغيرٍ طال المسار الاجتماعي والثقافي والاقتصادي واستسلام لمستجدات العصر.. تغير ألقى بظلاله على البنية الفردية الأسرية والبنية الاجتماعية ما أدى إلى اضعاف العلاقات والروابط بين أبناء الأسرة الواحدة.. فبتنا نتباكى على ماضٍ جميل.. وحاضرٍ مجنون انفلت زمام أمره في ظل عولمة هيمنت على حياة الإنسان المعاصر وأصبحت حياته الأسرية في تماسٍ قويٍ مع كل ما تفرزه العولمة من مظاهر وتجليات طمست الكثير من ملامح حياته الاجتماعية وأذابت ثقافته وخصوصياته باقتحامها كيان الأسرة في اطار ما يُسمى إلغاء الحواجز وتذويب الفوارق.
البيت الكبير صدَّعت جدرانه المدنية.. ونسيج المجتمع الصغير»الأسرة»تلاشت خيوطه بفعل العولمة.. فكيف هو حال الحياة الأسرية بين ماضٍ تولى وحاضر سرقته عولمة المظاهر البراقة ليتحول إلى واقع مفروض على حياة الأسرة والمجتمع.
التفاتة إلى الماضي الجميل وزمن الطيبين والبيت الكبير.. والأسرة الممتدة المتماسكة وما يميزها من تعلق بالأهل والأقارب والجيران وروح التعاضد الجمعي والمشاطرة في الأفراح والأتراح.. سعة الصدور وسماحة النفوس والنخوة وكرم الضيافة رغم قلة الحيلة عند البعض.. كم هي آسرة حياة الطيبين في البيت الكبير حيث المشاعر الطيبة والعلاقات المترابطة والعادات والتقاليد الأصيلة الساكنة في الضمائر المنعكسة على أساليب السلوك.. حياة أسرية شكلت نسيجاً واحداً يحمل بين طياته عراقة وواقعية وجماعية يتحركون ضمن حدودها.. وما بين ماضٍ يحرك الشجون ويشعل جذوة الحنين.. وحاضر تغزوه متغيرات بإيقاع سريع.. ذاب إرث البيت الكبير.. وجفت جذور التواصل وتعثرت القيم الأخلاقية وسيطرت القيم المادية وصارت تقف ضد القيم التقليدية والعادات الراسخة وحلت القيم النفعية وباتت المنفعة الذاتية محركاً أساسياً حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.. وظهرت في المجتمع قيم دخيلة بعيدة كل البعد عن قيمنا وأخلاقياتنا المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف فتأثر بها أبناؤنا وانعكست على سلوكهم وأفكارهم.. ووعيهم وثقافتهم
ولأن الأسرة هي وحدة التكوين الأولى للمجتمع وبتماسك وتعاضد هذه الوحدة يتحقق تماسك المجتمع وتستقيم أموره فإن جسامة متغيرات العصر وكثافة الزخم الاعلامي واتساع فضاء العولمة أدت إلى زيادة التحديات التي تواجهها الأسرة في حياتها وبات واقع اليوم والشواهد والأرقام تشير وبكل أسف إلى وجود بدايات خطيرة للتفكك الأسري نتيجة العنف أو الطلاق وانتقال مهمة تربية الأبناء إلى خدم ومربيات لا يملكن الكفاءة السلوكية والنسق القيمي والأخلاقي المستمد من الدين الإسلامي الحنيف.. متغيرات كثيرة وتحديات خطيرة طمست ملامح بيت الطيبة الكبير وقائمة هذه التحديات في حقبتنا طويلة وعصية على الحصر وبدلاً من البكاء على الأطلال ونسج مرثيات عن الماضي الذي ولى بجمالياته.. علينا أن نقرأ واقعنا الاجتماعي الذي نعيشه اليوم ونحاول صياغة رؤية.. تعيد الحياة لروح الماضي الذي كان سائداً في بيوت زمن الطيبين وبشكل متجانس مع طبيعة هذه المرحلة.. وألا نعيب زماننا فالعيب فينا.