فضل بن سعد البوعينين
نقلت جريدتنا «الجزيرة» عن مصدر مسؤول في صندوق التنمية العقاري قوله: إن قوائم الانتظار الحالية لطالبي القروض تحتاج إلى 25 عامًا لإنهائها؛ وإن «إقراض 450 ألف مواطن ومواطنة يمثلون قائمة الانتظار الحالية يتطلب 212 مليار ريال» ما شكل ضغوطًا على الصندوق بسبب عدم قدرته على حل معضلة الانتظار وإعلان دفعات جديدة منذ آخر دفعة أعلنت في رمضان الماضي.
من الطبيعي أن يواجه الصندوق شحًا في التمويل مع تناقص الدخل الحكومي؛ وتراكم عجز الموازنة؛ وأحسب أن شكوى الصندوق ستستمر لثلاث سنوات قادمة على أقل تقدير ما لم تحدث متغيرات جوهرية للأسواق العالمية ينتج عنها دعم كبير لأسعار النفط المتراخية.
قد لا تكون شكوى «العقاري» مفاجئة لمن يعمل وفق الاستراتيجيات المحكمة؛ التي تستشرف المستقبل وتعمل وفق الأهداف والبرامج الاستباقية؛ وهو ما لم تأخذ به وزارة الإسكان؛ وصندوق التنمية الذي وقع بين مطرقة قلة التمويل الحكومي؛ وسندان تخلف المقترضين عن السداد. تنظيم الصندوق الأخير؛ وتحويله إلى مؤسسة تمويلية لم يسهم في زيادة موارده؛ بقدر ما فرض عليه التزامات تمويلية ضخمة للمستثمرين، قد يصبح عاجزًا عن الوفاء بها؛ عوضًا عن تقصيره الواضح في تلبية طلبات المواطنين المدرجين على قوائم الانتظار الطويلة؛ ممن يفترض أن تكون لهم الأولوية.
قُبيل تعثر وزارة الإسكان في استثمار 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية؛ كتبت أن صندوق التنمية العقارية قادر على تحقيق ذلك الهدف الطموح من خلال تلبية طلبات المسجلين على قائمة الانتظار ممن يمتلكون الأراضي. وبدلاً من دخول «الإسكان» في عمليات البناء والتطوير وتعقيدات المشروعات يمكن أن توجه موازنتها للصندوق العقاري وبما يضمن بناء 500 ألف وحدة سكنية خلال ثلاث سنوات فقط.
لم تلتفت «الإسكان» لذلك الاقتراح العملي؛ ولم تلتفت لاقتراحات عملية أخرى تقدم بها المختصون؛ وأصرت على تنفيذ استراتيجيتها الخاطئة التي تسببت في عدم تحقيق أهدافها؛ وتَبَخُر موازنتها المرصودة وتوقف صندوق التنمية العقاري عن تلبية طلبات المواطنين.
توصيات عملية وجيهة صدرت من جهات عدة تعاملت معها الوزارة بجفاء؛ بدل استثمارها في تحقيق الأهداف الوطنية الطموحة التي تحولت مع مرور الوقت إلى سراب يحسبه الظمآن ماء.
سبق السيف العذل؛ وأحسب أن مناورات الإسكان الحالية لن تقودها إلى الهدف المأمول؛ ما يستوجب إعادة النظر في استراتيجيتها؛ ودعم صندوق التنمية العقاري الذي ربما فاقت جهوده في معالجة الأزمة؛ جهود وزارة الإسكان.
تحويل صندوق التنمية العقارية إلى «بنك الإسكان» والسماح له بتلقي الودائع؛ وإعادة إقراضها وفق الضوابط المصرفية الضامنة لها؛ من الحلول المتاحة؛ إضافة إلى فتح سوق الصكوك والسندات لشركات البناء والتطوير العقاري وتنشيط السوق الثانوية ورفع كفاءتها بما يوفر قنوات استثمار مهمة تجذب رؤوس الأموال وتسهم في التنمية السكانية على أسس مالية متكاملة ومنضبطة. إضافة إلى ذلك؛ فوزارة الإسكان مطالبة بإيجاد نماذج مبتكرة للبناء تسهم في خفض التكلفة وتقليص فترة الإنشاءات؛ وفتح السوق أمام شركات البناء العالمية وإعطائها الأراضي الحكومية لتطويرها وإعادة ضخها في السوق وفق آلية إقراض ميسرة.
تحقيق توازن السوق العقارية من خلال ضخ مزيد من الأراضي المطورة للمواطنين؛ وإصدار التشريعات القادرة على إرجاع الأسعار المتضخمة إلى مستوياتها الطبيعية المتوافقة مع قدرة المواطنين على الشراء؛ أحد أهم الحلول الناجعة والمؤثرة في معالجة أزمة الإسكان؛ إن لم تكن أهمها على الإطلاق.