فضل بن سعد البوعينين
ركّزت رؤية المملكة 2030 على كفاءة الأداء، ونشره كثقافة عامة منضبطة، والاعتماد على مؤشرات القياس كأداة من أدوات الضبط والتوجيه، وتقييم الأداء بما يعزز المساءلة والشفافية، وتطبيق حوكمة العمل الحكومي و»تفعيل مسؤولية الجهات في تسلم مهمّاتها بشكل يسمح لها بالتنفيذ ويمكّن المساءلة، ويضمن استمرارية العمل والمرونة في مواجهة التحديات».
مؤشرات قياس العمل أحد أهم أدوات تحقيق كفاءة الأداء والإنتاجية، وهي وإن كانت سهلة التطبيق في القطاع الخاص، إلا أن تطبيقها في القطاع العام لا يخلو من التحديات، خصوصاً مع تشعب الإدارات الحكومية في مناطق مترامية الأطرف. إعادة هيكلة الوزارات سيساعد دون أدنى شك على تحقيق الكفاءة وترسيخ ثقافة القياس وتحفيز الإنتاجية. إنشاء مركز وطني لقياس أداء الأجهزة العامة وفق منظور مؤسسي، وبناء لوحات مؤشرات قياس الأداء لتعزيز المساءلة والشفافية من أهم برامج الحكومة الهادفة إلى تحقيق رؤيتها المستقبلية.
أعتقد أن لدى الحكومة أدوات أخرى يمكن من خلالها تحقيق هدف الكفاءة والإنتاجية، وتعزيز الشفافية والمساءلة المؤسسية، وبما يتوافق مع رؤية المملكة2030. يمكن لمجلس الشورى أن يلعب دوراً أكبر في دعم الرؤية المستقبلية من خلال التشريعات والرقابة والمساءلة وتعزيز الشفافية. إعطاء المجلس مزيداً من الصلاحيات سيسهم في المواءمة بين المخرجات الحكومية والأهداف المرسومة. آلية عمل المجلس الحالية قد لا تساعده في تحقيق أهدافه الرقابية، وبخاصة ما ارتبط منها بالإستراتيجيات والمشروعات الضخمة. استثمار الكفاءات المتخصصة في المجلس سيعطي الحكومة رأياً مستقلاً حول الأداء، وسيضيء جوانب مختلفة من الرؤية، وسيسهم بشكل مباشر في تعزيز عمليات القياس والتقويم المستمر. الرأي المحايد والمستقل أحد أهم أدوات التقييم التي تحتاجها الحكومة اليوم لضمان تحقيق أهدافها الإستراتيجية.
قد تكون «مؤشرات القياس» أكثر وضوحاً في الوزارات والمؤسسات، ولكن ماذا عن الإدارات الحكومية الطرفية، وهل سيتمكن مركز القياس من متابعة أداء الوزارات والمؤسسات الحكومية في جميع مناطق المملكة؟، وهل يضمن الوزراء تحقيق الكفاءة والإنتاجية الشاملة وفق منظومة عملهم المركزية المطبقة حالياً؟.
قد لا تتمكن الوزارات من إدارة مشروعاتها بكفاءة وهي تشرف على 13 منطقة مترامية الأطرف. مركزية العمل تحد من الكفاءة والإنتاجية وتضعف أدوات القياس، وتتسبب في بطء الحركة، وربما أثرت سلباً على تحقيق أهداف الرؤية مستقبلاً.
الإدارة المحلية للمناطق في حاجة إلى تطوير يساعدها في إدارة مشروعاتها التنموية، خصوصاً مع وجود مجالس المناطق التي يفترض أن تلعب دوراً أكبر في التنمية، ابتداء وانتهاء، لا أن تكون جهة استشارية تقدم التوصيات، وتقترح المشروعات على الوزارات المعنية، دون أن تمتلك القدرة على اتخاذ القرار. الأمر عينه ينطبق على المجالس البلدية والمحلية وهي جزء من أدوات التنمية والقياس الفاعلة. دمج المجلسين في مجلس واحد، وجعله المسؤول عن تنمية المحافظات والرقابة والتقييم من الأمور المهمة التي تستدعي التغيير لمواكبة الرؤية واحتياجاتها المستقبلية.
اتخذت الحكومة آلية جديدة في إدارة الموازنة العامة، وركزت على البرامج، وهو أمر مهم ولا شك، إلا أن ارتباط البرامج بالوزارات قد لا يعكس الاحتياجات الدقيقة لكل منطقة على حدة، وقد لا يأخذ في الاعتبار أولويات المشروعات ذات الأبعاد الإستراتيجية للمحافظات والمناطق.
تعزيز إدارة الحكم المحلي، وتفعيل دور مجالس المناطق والمحافظات، يمكن أن يكون علاجاً لهذه المشكلة. ويمكن أن يسهم بشكل أكبر في ضمان الإنتاجية وكفاءة العمل وتفعيل أدوات القياس الطرفية. نحن في حاجة إلى إعادة النظر في نظام المناطق، وبما يعزز الإدارة المحلية، ويوفر لها الصلاحيات الكافية في إدارة التنمية المناطقية، والميزانيات الخاصة، التي تعينها على تنفيذ مشروعاتها باستقلالية تامة، ووفق الأولويات التي يحددها مجلس المنطقة. الاستقلالية التنموية ستقود إلى تحمُّل مجالس المناطق مسؤولياتهم التنموية وستسهم في خلق بيئة تنافسية بين المناطق المختلفة، وسترفع من معدلات الرقابة، وكفاءة العمل وجودة المخرجات. يمكن للإدارة المحلية أن تقضي على الهدر المالي، وتعارض المشروعات الخدمية التابعة لوزارات مختلفة، من خلال تنسيق المشروعات، فيتقمص مجلس المنطقة، دور وزارة الأشغال المعنية بتنفيذ المشروعات المتكاملة. كما أنها ستفرض، في الوقت عينه، على مسؤولي الإدارات الحكومية ثقافة عمل جديدة، وستحملهم مسؤولية التنمية، وستجعلهم ضمن هيكل المنطقة الإداري، لا هيكل الوزارة وبما يحقق كفاءة العمل وجودة المخرجات وتعزيز الرقابة المحلية.
إحداث التطوير الإداري، في نظام المناطق للوصول إلى تعزيز الإدارة المحلية وتحميلها مسؤولية التنمية، وإعطائها الصلاحيات وأدوات النجاح، سيعزز من ترشيد العمل الحكومي، وسيسهم بشكل مباشر في تنفيذ أهداف الرؤية الوطنية، وسيزيد من مراكز القياس الطرفية، وسيخفف العبء على الوزراء ويجعلهم أكثر انغماساً في التخطيط الإستراتيجي والتقييم الشامل من الانشغال بالجزئيات التنفيذية.