فضل بن سعد البوعينين
لم تنجح المحاكم الأمريكية؛ برغم إجتهادها؛ في إدانة شخصيات اعتبارية سعودية؛ وربطها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. فشلت قضايا أهالي الضحايا لأسباب قانونية صرفة؛ ويفترض أن تشكل مجتمعة؛ سابقة تمنع المتضررين من رفع مزيد من القضايا ضد جهات لا علاقة لها بالإرهاب وأحداث تفجير برجي التجارة العالمية.
يبدو أن مسلسل أحداث الحادي عشر من سبتمبر لن يتوقف؛ فملفات القضايا الموجهة استخباراتيا؛ وإن عُلِّقَت لسنوات؛ يعاد فتحها عند الحاجة كوسيلة من وسائل الضغط والابتزاز. مجلس الشيوخ الأميركي وافق يوم أول من أمس على «مشروع قانون يسمح للأميركيين مقاضاة بعض الدول التي يشتبه في تورطها في التخطيط لهجمات إرهابية على الأراضي الأميركية». تقديم المشروع من قبل عضوين ينتميان للحزب الديموقراطي والجمهوري فيه دلالة على التنظيم المسبق لضمان تمريره.
قرار مجلس الشيوخ لن يكون نافذا قبل المصادقة عليه من مجلس النواب؛ وهو أمر قد يحدث؛ ما يجعل المجلس في مواجهة مباشرة مع البيت الأبيض الذي هدد من قبل بإستخدام حق النقض في حال موافقة مجلسي الشيوخ والنواب عليه. نقض القرار من قبل الرئيس الأميركي؛ في حال حدوثه؛ لن يكون موجها لحماية السعودية بقدر ما سيكون حماية للأميركيين أنفسهم المتورطين في قضايا متنوعة حول العالم. فتح باب مقاضاة الدول بعد رفع الحصانة عنها سيفتح باب جهنم على الأميركيين أنفسهم؛ وهو ما حذر منه «جوش إرنست»؛ المتحدث باسم البيت الأبيض؛ حين قال: «لدي قلق كبير أنه سيكون هناك تأثير سلبي على الأمن القومي الأميركي وعلى أمن المواطنين الأميركيين في جميع أنحاء العالم، والسبب أن دول العالم قد تستخدم هذا التسريع ذريعة لسن قوانين مماثلة تضر الولايات المتحدة والشركات، والمواطنون في خطر».
وزارة الخزانة الأميركية استبقت قرار مجلس الشيوخ بالإعلان عن حجم الاستثمارات السعودية في أذون وسندات الخزانة الأميركية، التي حددتها بـ 116 مليار دولار وهو رقم متواضع مقارنة بالرقم المتداول المقدر بـ 750 ملياردولار. سابقة الإعلان عن حجم الاستثمارات السعودية في السندات الأمريكية، ربما ارتبط بخبر تهديد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ببيع أصول المملكة في حال وافق الكونجرس على مشروع قرار يسمح بمقاضات السعودية على خلفية هجمات 11 سبتمبر؛ وبما يضمن الحد من الانعكاسات السلبية على أسوق المال الأمريكية.
لسنا في حاجة إلى إعادة تأكيد براءة المملكة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ وأي تهمة أخرى على علاقة بالإرهاب؛ طالما أن المحاكم الأمريكية أثبتت ذلك من قبل؛ إضافة إلى موقف المملكة المعلن من الإرهاب ومحاربتها له؛ وتضررها المباشر منه؛ غير أن التعامل مع المتغيرات التشريعية والقانونية يجب أن يتم وفق معايير دقيقة تضمن تحييد الخطر مهما تضاءلت نسبة حدوثه.
يجب التعامل مع قرار السماح بمقاضاة الدول؛ وأي قضية لاحقة ترفع ضد المملكة بمعزل عن وعود البيت الأبيض التطمينية التي لا يمكن الإعتماد عليها؛ وأن تواجه بحزم وكفاءة من خلال أربعة مسارات متوازية؛ المسار القانوني المحترف؛ المسار الإعلامي الكفوء والمؤثر؛ المسار الدبلوماسي؛ والمسار الاستثماري. ضعف استغلال تلك المسارات؛ وبخاصة الثلاثة الأخيرة؛ أضر بمصالح المملكة؛ وجعلها عرضة لتطاول المتربصين؛ وأعداء الأمة.
رب ضارة نافعة؛ فمشروع «قانون مقاضاة الدول» سيرفع من درجات الخطر في التعامل مع الأسواق الأمريكية والحكومة في آن. لم يعد عنصر الأمان متاحا للاستثمارات السعودية في أمريكا؛ ما يستوجب إعادة النظر فيها؛ وقبل أن تتعرض لقرارات جائرة تحد من قدرتنا على التصرف بها مستقبلا. الأمر عينه ينطبق على خططنا الإستراتيجية ذات العلاقة بالاستثمار وطرح أرامكو للاكتتاب وإدراجها في السوق الأمريكية. إضافة إلى ذلك فشركات الاستشارات الأمريكية قد تكون جسرا لتمرير المعلومات الداخلية للحكومة الأمريكية ومؤسساتها المختلفة بقصد الإضرار بالمملكة.
مشروع «العدالة ضد رعاة الإرهاب» قد يكون حبل المشنقة الذي يلف على رقبة صاحبه؛ فقضايا الإرهاب المعلنة لا تخلو من الجانب الإستخباراتي الذي يُعتقد أن الأجهزة الغربية فاعلة فيه؛ إضافة إلى إرهاب الدول الذي يكيف اليوم على أنه تدخل لحماية الشعوب وإنقاذها وفرض الديموقراطية؛ وهو لا يعدو أن يكون تدخلا لتدمير الدول والشعوب وإسقاط حكوماتها وسرق ثرواتها. سيأتي اليوم الذي يحاكم فيه كل من تسبب في تدمير العراق وسوريا وليبيا ونشر جماعات الإرهاب فيها؛ والتخطيط لتدمير مصر والأردن والمغرب وفق قانونهم المسمى بـ « العدالة ضد رعاة الإرهاب». سينقلب السحر على الساحر؛ وستتحقق العدالة الربانية؛ وسيدفع الجاني فاتورة ماجنته يداه قريبا. قال تعالى «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين».