محمد أبا الخيل
كنت أقرأ في كتاب المفكر الأمريكي (بيتر سنجي) حول المنظمة المتعلمة، والمعنون بـ (السلوك الخامس)، حيث يجادل بأن تفوق المنظمة من حيث الأداء مردود لقدرتها على الاكتساب والتعلم كفريق عمل، لذا وضع (5) أسس لتعلم المنظمة هي: 1- التفكير بصيغة النظم، 2- التقانة الفردية، 3-النمذجة الذهنية الإيجابية، 4- المشاركة بصياغة الرؤية ,5 - التعلم الجمعي. وقد نظرت في هذه الأسس من منظار نقد منهجية الإدارة التعليمية في التعليم العام في المملكة، وأهمية أن تكون المدرسة بحد ذاتها منظمة متعلمة قبل أن تكون منظمة معلمة.
المدرسة بجهازيها الإداري والتعليمي بحاجة لتكون في حالة تطور مستدام، تطور في القدرات التنفيذية وفي القدرات الإكسابية للطلاب، والمدرسة مطالبة بأن تعتمد تقنيات حديثة ووسائل وطرق جديدة، كما وأن الطلاب اليوم أصبحوا معرضين لمصادر معرفة كثيرة بعضها لا يستطيع المعلم التحكم بها أو بمدى مناسبتها لفكر الطالب أو حتى مدى مصداقية تلك المعرفة، لذا على المعلم أن يقوم بدور إضافي يتمثل في مناقشة الطلاب حول ما يتعلمونه من مصادر المعرفة غير المدرسية، وبالتالي يستطيع بما لديه من مهارة قيادية أن يؤثر في مدى قبول الطالب لتلك المعرفة، والمعلم بدوره هذه يحتاج لدعم لوجستي وإداري من الجهاز الإداري بالمدرسة، وحيث باتت المدرسة اليوم بيئة تقنية بما توفر من قنوات اتصال ووسائل تعليم الكترونية فقد يحتاج المعلم لذلك الدعم حين يناقش الطلاب معرفة تحتاج مراجع فيلمية أو تصويرية وصوتية.
وحتى تكون المدرسة بهذه الجاهزية عليها تبني مفهوم المنظمة المتعلمة، حيث يجب أن يتلقى المعلمون والجهاز الإداري دورات مكثفة في (مبدأ النظم)، وأن يكون هو وسيلتهم في التدريس، ونقل ذلك التفكير للطلاب حيث يهتم الطالب بمدخلات أي فكرة أو عملية ذهنية فيتأكد من كفاءتها ومصداقيتها وشمولها قبل ممارسة العملية الفكرية وصياغة النواتج منها، وبعد ذلك قياس تلك النواتج في صورة تغذية راجعة لمطابقة الهدف بالناتج، التفكر بصيغة النظم يضمن التفكير السليم والاستنتاج الصحيح بحيث يعتاد الطالب على عملية النقد والتصحيح بصورة آلية في عملية التعلم والإنتاج المعرفي، وعندما يهتم المعلم بالتقانة الفردية فذلك يمثل له دافعا مستداما لاكتساب المعارف والمهارات التعليمية والإلقائية والقدرة على المحاورة والنقاش والإقناع، وهو يمارس ذلك خلال العملية التعليمية ينقل تلك المهارات بصورة آلية لطلابه؛ فالطلاب يتعلمون من معلمهم أسس الحوار والنقاش والتعبير عن الأفكار بسلاسة.
ومن أهم ما يمكن أن يكتسبه المعلم وأفراد الجهاز الإداري بالمدرسة هو الأنماط الذهنية الإيجابية حول العملية التعليمية وسيادة تلك الأنماط يجعل اكتسابها سهلا حتى للطلاب؛ فالأنماط الذهنية تنتقل بالممارسة والقدوة الحسنة، فالطلاب يتعلمون الكثير من معلميهم أكثر مما هو في المقرر فهم يتعلمون منه الصدق والحلم والتواضع والالتزام والجدية، وذلك يأتي من التعامل اليومي بين الطالب ومعلمه.
وحيث لكل مدرسة رسالة ورؤية تتمثل في خلق تميز للمدرسة، فعلى مدير المدرسة أن يجعل صياغة تلك الرسالة والرؤية من خلال ورش عمل بين المعلمين والهيئة الإدارية بالمدرسة بحيث يتم صياغة الرسالة والرؤية بجهد مشترك مما يضمن لها الالتزام، ويتم من ذلك وضع الأهداف الإستراتيجية للمدرسة واعتماد البرامج المحققة لها ووضع معايير الأداء الضامنة تحقيق رؤية المدرسة، وعلى إدارة المدرسة توفير بيئة تبادلية للمعرفة بين أفراد منظمتها بحيث يصبح الاكتساب الجمعي هو النمط؛ لذا تشجع إدارة المدرسة أعضاءها على عرض ما لديهم من معارف ومهارات لإكساب زملائهم الآخرين من خلال ورش العمل والتدريب البيني.
نظرية المنظمة المتعلمة ظهرت في بداية التسعينيات من العام الماضي، وأصبحت الآن النسق في كثير من المنظمات وخصوصاً المنظمات التعليمية والصحية كالجامعات والمدارس والمستشفيات، لذا أرجو من معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى تبني تلك النظرية في عملية الإدارة المدرسية، حيث تبنتها كثير من وزارات التعليم حول العالم، وحققت منها كل من فنلندا وكوريا الجنوبية وسنغافورة تفوقاً في المحصلة التعليمية العامة.