محمد أبا الخيل
كان التخطيط التنموي في المملكة خلال الخمسين سنة الماضية يعتمد على منهج الخطط الخمسية, حيث كانت كل خطة خمسية سابقة تمثّل لبنة تُبنى عليها الخطة الخمسية التالية، هذا المنهج في التخطيط يجعل الطموح قيد الماضي والإنجاز رهن الممكن, وكانت وزارة التخطيط والتي تطورت من كونها هيئة غير ممكنة من أدوات التنسيق والتضافر، لذا تفاوتت الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى بصورة عامة بالالتزام بالإنجاز بما يتفق والخطط الخمسية، وهذا جعل التنمية خلال الخمسين سنة الماضية مكلفة أكثر مما كان يجب, مع أن المملكة بحمد الله خطت خلال تلك الفترة خطوات جبارة في التنمية تجاوزت بها بلداناً كانت متقدمة بصورة ملحوظة.
اليوم نحن أمام منهج جديد في التخطيط التنموي يعتمد على وضع رؤية استشرافية تتطلب مواجهة التحديات وتجاوز العقبات والعمل من خلال برامج طويلة الأمد, هذه الرؤية تعتمد على إدارة شاملة متكاملة ومتوائمة مع المعطيات والإمكانات، وتحقيقها يلزم متابعة ومراقبة وتدخلاً سريعاً عند انحراف الاتجاه للتقويم والمواءمة المستديمة, لذا وضع لها مؤشرات أداء تمثّل معايير للنجاح والإنجاز يُحاسب عليها كل من له دور فيها، هذا النهج الجديد في التخطيط التنموي يستلزم أدوات ونظماً وموارد كفاءتها هي أحد أهم عناصر نجاح التخطيط، لذا كان لا بد من دمج كثير من اللجان والمجالس في مجلس الاقتصاد والتنمية, وتأسيس هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة وتنظيم آلية الاستثمار الحكومي.
رؤية المملكة 2030 هي رؤية طموحة تواجه بعزيمة تحديات المستقبل وتحرر المستقبل السعودي من الاعتمادية على النفط، بل إنها ترتكز على منهج تنموي صلب يقوم على تمكين عناصر القوة والتي تم إجمالها في ثلاثة محاور هامة الأول هو العمق الإسلامي والعربي والذي يمنح المملكة دوراً ومكانة لدى أكثر من ملياري مسلم وعربي، وهذا يجعل المملكة قبلتهم ليس في العبادة فقط، بل في الحج والعمرة والزيارة وشراء السلع المصنعة بالمملكة، والثاني هو الموقع الجغرافي المميز للمملكة والذي يجعلها في قلب العالم لذا ستكون موطناً للخدمات اللوجستية والنقل والشحن والتبادل التجاري، والثالث هو القدرة الاستثمارية من خلال توظيف المقدرات والاحتياطيات والموجودات في عملية استثمار محلي لتكوين مزيد من القدرة للاقتصاد السعودي ودولي لتكوين تدفقات نقدية من خارج المملكة للاقتصاد السعودي.
الرؤية التي أعلنها خادم الحرمين يوم الاثنين الماضي تستلزم الانضباط في جميع المؤسسات الحكومية والخاصة من أجل الالتزام بالمشاريع والخطط التنفيذية لها، وهذا متيسر عندما توجد الإرادة والإصرار والإيمان بهذه الرؤية، وتحقيق الرؤية هو ليس مقصوراً على الحكومة وما تقوم به من برامج، بل هو منوط بالدرجة الأولى بالمواطن الفرد، فالمواطن هو هدف هذه الرؤية هدفها ليكون إنساناً أفضل ولينعم بحياة هنية ومستقبل آمن وهو أحد أهم نتائجها, بحيث يكون منتجاً مساهماً في بناء مجتمع حديث قادر على منافسة الآخرين والتفوق النوعي. لذا لا بد أن يستشعر المواطن ذلك ويبدأ بنفسه، فالطالب يجتهد في تعليمه والعامل ينشط ويكتسب المهارات في عمله ويبذل ما يجعله منافساً شريفاً لغيره والموظف ينضبط بدوامه ويتفانى في خدمته، والتاجر ينظم ويحسن من أعماله، والمستثمر يبحث عن فرص جديدة ويدعم ذوي المبادرات والرواد من ذوي الحماس والمعرفة، هذه الرؤية ستتحق - بإذن الله -، ولكنها لن تتحقق بدون أن يحملها كل منا في ذهنه وعقله وقلبه.