محمد أبا الخيل
مع أن الرؤية السعودية (2030) اشتملت على أهداف طموحة في الجانب الاقتصادي والبنائي للدولة وتطرقت في الجانب الاجتماعي لمحور مهم وهو تكوين مجتمع متين البنية، ومع أن التفصيل في هذه المحور تركز على تحسين مستوى المعيشة بصورة واضحة إلا أنه لم يتطرق كثيراً للجانب الفكري المؤثر في بنائية المجتمع، فأي مجتمع مقدم على حالة تحول في مسيرته التنموية هو بحاجة لفكر جمعي يسير ذلك التحول ويتناغم مع الأسس والقيم السامية للمجتمع.
المجتمع السعودي بصورة عامة مجتمع متجانس في كثير من تمظهراته الحياتية، ولكنه أيضاً متنوع في كثير من توجهاته الفكرية ومنطلقاته الذهنية، فمنذ توحدت المملكة منذ ما يقارب مائة عام والمجتمع بفضل القيادة الحكيمة التي توالت في إدارته يتجه لمزيد من التجانس، وخلال رحلة التجانس مر المجتمع السعودي بفترات تباينت التوجهات الفكرية بصورة خاصة، وذلك بسبب الاختلافات المذهبية والمرجعيات الدينية، وكذلك بفعل التأثير الخارجي للحركات الفكرية التي تناوبت التأثير في المحيط العربي والذي شكَّل تحدياً خاصاً للمجتمع السعودي المحافظ برمته، وما زال المجتمع السعودي في رحلة التجانس والتي يغذيها النظام التعليمي والنشاط الاجتماعي، ومع ذلك هناك جوانب لن يتجانس فيها المجتمع بصورة تامة وخصوصاً في الجوانب العقائدية، ولكن يجب أن يتجانس المجتمع حول الحاجة لحماية ذلك الاختلاف والتجانس حول أسس التعايش مع الخلاف.
عندما نقول إننا نهدف لبناء مجتمع وسطي، فإننا ضمنياً نعترف بوجود قطبية، وهذه القطبية ظاهرة في كل محور من محاور البناء الفكري الاجتماعي فهي ظاهرة في المحور المذهبي، فهناك متطرفون في كل مذهب وهناك ساعون لتقريب وجهات النظر بين المذاهب في رحلة للوسط والذي لن يحقق التمازج ولكن التفاهم والتعايش وكذلك هناك قطبية داخلية في كل مذهب وطريقة فهناك متطرفون وهناك وسطيون والوسطيون هم الأكثرية بلا شك، ولكنهم غالبية صامتة في حين يعلو دائماً صوت المتطرفين، وكذلك الأمر في المحور العام بين رواد التنوير والمحافظين فهناك بين كل فئة متطرفون ووسطيون، ولذا سيكون علينا ولتحقيق الوسطية أن نعترف بتلك القطبيات ونسعى للحوار معها على أساس القيم السامية العامة للمجتمع، ولن يكون هناك نهاية للتطرف مهما كانت قطبيته، ولكن علينا زيادة مساحة الوسطية بين الأقطاب بحيث يصبح معظم المجتمع في تلك المساحة، وأن نضع نظاماً صارماً يحد من أثر التطرف القطبي على بنائية المجتمع وسلامته.
لتمكين الوسطية في المجتمع هناك أدوات وطرق من أهم تلك هو الأنماط الذهنية الإيجابية، وضرورة تأصيلها في الفكر الجمعي، من تلك الأنماط الذهنية (التعايش) والذي من خلال تكريسه الذهني يجعل المواطن السعودي منفتحاً على المختلف مهما كانت صيغة الخلاف بينهما والنمط الذهني المهم بالدرجة الثانية هو (احتمال الخلاف) حيث يدرك أعضاء المجتمع أن اختلافهم هو تنوع بشري لازم للمجتمعات الحديثة، وأن هذه التنوع غير ثابت فطبيعة البشر متغيرة، ولذا يظهر بصور حياتية متغيرة زمنياً ومكانياً، وفي نفس الوقت نحتاج جهوداً كبيرة لتهميش دور كثير من الأنماط الذهنية السلبية مثل (العصبية) و(العنصرية) و(الإقصائية). وتلك أنماط ذهنية لازمة للتطرف ومن الصعب القضاء عليها ولكن تهميشها ممكن من خلال وضع أنظمة تحد من تأثيرها الاجتماعي.
العمل على تكوين مجتمع وسطي يدعم التحول الوطني سيكون مجهداً وطويلاً، ولكن ثمراته ستكون لمستقبل هذا الوطن وأجياله القادمة، ولو نظرنا فيما كنا عليه منذ (100) عام وما نحن عليه اليوم، لوجدنا أننا حققنا الكثير في سبيل بناء الوحدة الوطنية والتي نرى تماسكها اليوم رغم ما يجرى حولنا من مؤامرات واضطرابات، وما زلنا بحاجة لمزيد من التماسك والصلابة في البنائية الوطنية، وفق الله قيادتنا وسدد جهودهم.