د.ثريا العريض
مجموعات الواتس آب الحوارية تفيض بالنقاش الآن حول ما تنشره وسائل الإعلام عن المستجد الأهم في الساحة المحلية، وهو «رؤية» برنامج التحول؛ مستبقين إعلان تفاصيل البرنامج. ومواقف المتحاورين كثيراً ما تتعدى الحوار ومناقشة الآراء المختلفة إلى الجدال المتوتر القابل للتفجر رفضاً للرأي الآخر.. بالذات حين يكون تقبل أو رفض رأي الكاتب متجذراً في موقف شخصي مسبق من صاحب الرأي أو صاحب الرؤية لا الأفكار المطروحة.
غالباً يفتح النقاش رأي نشره كاتب مقال يعرض فيه رؤيته للرؤية, إيجابياً أو سلبياً, من موقع المتخصص الفاهم الذي يحمل رأيه - بحسب تقييمه لنفسه - فهماً متعمقاً يسمح له بشجاعة إبداء الرأي الداعم أو المهاجم أو التساؤل المباشر أو المبطن عن علمية وعقلانية تفاصيل البرامج المسربة التي لم تعلن رسمياً بعد. وهناك مستويات متفاوتة من التفاؤل والتشاؤم , تتوازن حول دعوة آخرين للتريث حتى تطلع النتائج قبل إطلاق الأحكام. وفي مقابلها الإصرار على النقد المبرح, تحت تبرير أن إطلاق الأحكام مهم قبل هدر الوقت في ما يرونه غير متوقع النجاح لأنه محمل على تأسيسات غير مضمونة أو حتى غير صحيحة.
وبذا يختزل النقاش في اتهامات بالتجهيل أو التطبيل أو السوداوية.
أكاد أجزم أن الراغبين في نجاح التحول يرونه عبر عدسات وردية متفائلة تصفق للتخيل الرغبوي .. وأن الناقدين غير المتحمسين والباحثين عن مبررات علمية يسندون عليها توقعاتهم بالفشل, يبطنون رغبة خفية ألا ينجح لأسباب خاصة, لعل أقلها إثبات قدراتهم في التحليل والتوقع, أو التحسس غير المباشر وشعور بالإقصاء من المشاركة والتقدير, يعبرون عنها بنقد خيار الاعتماد على شركات استشارية أجنبية.
كأن الوضع بتبسيط إيحاء بوهمية ملابس المسؤول ومستشاريه!
جميل أن يتفاعل المختصون وعموم الشعب بالقرارات الرسمية. ولكن الشخصنة وتسطيح التناول لا ينفع بل يضر الطقس الانفعالي العام, مثله مثل نشر الإشاعات واختلاق التفاصيل بقصد للتجهيل أو بجهل ذاتي.
فعلاً وسائل التواصل الإلكتروني والاجتماعي منحتنا فرصة ثمينة تتيح لكل من يستخدمها أن «يعبر» عن رأيه. والكل فرح بهذه الوسيلة الجديدة.. فهي قابلة للتسخير والتوظيف لخدمة ما يريد: يستخدمها البعض للاستعراض الشخصي لعمق مواطنته وإخلاصه, أو لتميزه ثقافياً أو علمياً وتسليط أضواء متابعي الإعلام عليه, وشد انتباه المهتمين إليه شخصياً.
الأهم من كل هذا الصخب أن تكون النتيجة توضيح حقيقة مفيدة في النهاية للجميع, حالياً ومستقبلياً؛ ليس فقط متلقي المعلومة, بل أيضاً صانع القرار, قبل أن تفيد مطلق المعلومة في حد ذاته.
كل مشكلة لها حل علمي عملي ممكن أن يطبق. والوضع الآن أن مصدر دخلنا لا يعتمد عليه, والتحدي هو استدامة استقرارنا. ولابد من إحداث تحول ولابد من تقبله والمساهمة في إنجاحه بعلمية وإخلاص. التقصير والتوظيف السلبي في حوارنا ليس في الوسيلة بل في ما نحملها به من أهداف قد يسخرها فاعل ما لخدمة مقاصده الخاصة وإن أضرت بالغير.
وبغض النظر عن المواقف المبنية على شخصنة الرأي والتكهن بالتفاصيل والنتائج؛ يبقى أنها «رؤية» إيجابية هدفها الأخير إحداث «تحول». حيث ليس هناك خيار آخر في الأوضاع الحالية وباستشراف المستقبل الاقتصادي, غير التحول بخطة شاملة, مدروسة غير عشوائية ولها جدول زمني للوصول إلى الأهداف وتقييم نجاح المسؤولين في ما خططوا له. أما الحكم بالنجاح أو الفشل قبل معرفة تفاصيل الإستراتيجية المعتمدة في كل وزارة بعينها أو جهة رسمية أو شعبية, وخيارات البرامج التي ستعلن, فهو كالتنبؤ بأن سيلاً وفيضاناً سيغرقنا مع أول غيمة وقطرات مطر. لا فائدة من التباري من أصدقهم تكهناً بالمتخيل: سراب؟ أو سيل؟ أو قوس قزح؟
الأفضل والأعقل تأجيل الحكم على «الرؤية» والبرامج التنفيذية لها حتى تقر وتعلن رسمياً فنقطع الشك والتكهن .. باليقين.