د. صالح بكر الطيار
برباطة جأش وعزم وإصرار وتحد على مواجهة كل المصائب التي تعرضت لها تقف مصر تاريخاً وكياناً وقوة ومقومات قيادة وشعباً ضد المحن التي أحاطت بها منذ زمن، وكان آخرها سقوط الطائرة المصرية قبل أيام وسط تنبؤات أولية تشير انه إرهاب، وهو ذات الداء الذي عانت منه «ارض الكنانة» من زمن، ولكنه تزايد في الفترة الأخيرة بعد تعرضها لأعمال تخريبية وإرهابية متعددة امتدت من الأرض إلى الجو، ومن الأطراف إلى الوسط، وكانت مصر واقفة صابرة على ما تلقته من صدمات، رافضة التوقف عن محاربة الإرهاب ومعاونيه، والوقوف بصمود أمام التحديات التي تستهدف مصر الدولة العظيمة ذات التاريخ والكيان العربي الكبير الذي يشكل ثقلاً كبيراً في محيط الأمة العربية من كل النواحي.
نحن كسعوديين تربطنا بمصر علاقات تاريخ وروابط كبيرة، وعزاء سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله لمصر قيادة وشعباً يمثل عزاء لكل السعوديين الذين يكنون لمصر الحب والاحترام والتقدير، ويحملون في قلوبهم وعقولهم لمصر وشعبها معاني ثابتة ومواقف أبدية من الإخاء والوصال والصداقة والشراكة المجتمعية والمصير المشترك، وان ما رصده التاريخ من مواقف وتعاون بين القيادات والشعوب لهو دليل على ذلك، وتبقى هذه الأمور من المسلمات بين الشعبين اللذين يتعايشان معاً منذ قرون تحت مظلة الود والتقدير، وفي إطار الأشقاء وتحت عنوان الأخوة الصادقة.
هنالك من يتربص بمصر من أجل تشويه صورتها وتدمير بنيتها والإساءة إلى مقدراتها السياحية، خصوصاً مع تزامن دخول الصيف، كل ذلك يوحي بأن هنالك من يصنع الخراب ويؤجج نار الفتنة وإشعال فتيل الفساد نحو مصر التي باتت تتحمل أكثر من طاقتها في سبيل الخروج من هذه الأزمات، وسط تقاعس وتهاون من قبل بعض الدول من جيرانها الذين وقفوا شاهدي عيان على ما تتحمله مصر وشعبها، إضافة إلى أن الدولة تحملت مصاريف كبيرة في ظل تناقص الموارد الاقتصادية وارتفاع مصاريف الدعم الحكومي والواردات ووسط طفرة سكانية سنوية بالملايين ووجود تحديات ومخاطر تتعلق بحرب شرسة كلفت مصر مليارات الريالات في مواجهة تهريب الأسلحة والذخائر وتجار المخدرات وصناع الإرهاب والخراب والدمار.
ما تتعرض له مصر يبلور المشهد الذي باتت ملامحه حاضرة من خلال الأحداث أن هنالك فتناً وقلاقل مصنوعة تدار في الخفاء لنشر الخراب والتصعيد من خلال العمليات والأحداث والجرائم المتواصلة التي باتت تضرب أركان مصر ومقدراتها بشكل مختلف من بين حين وآخر، وسط جهود مشكورة ومساعدات مشكورة من البلدان الغربية الصديقة لمصر في محنتها، وعلى سبيل المثال جهود دولتي فرنسا واليونان في مساعدة مصر في التحقيق في حادثة الطائرة، والبحث عن تداعيات الحادثة.
تكبدت مصر مصاريف هائلة أرهقت خزينتها وتداعيات مهولة جراء الأحداث الأخيرة، وها هي تبرز على المشهد العربي والإسلامي بقوتها وصبرها وجلدها، رغماً عن الظروف الواجب أن تنظر الدول الشقيقة وأن يقوم المجتمع العربي والأشقاء العرب بواجبهم في دعم مصر وفي إعانتها وفي الوقوف بجانبها في هذه المحنة مع وجود خلفية مكتملة عن تحليل ما تتعرض له مصر وشعبها ومقدراتها، وأن يتم اتخاذ إجراءات واسعة وتفصيلية للوقوف صفاً واحداً ضد الإرهاب وتنظيمات الفساد والخراب التي وضعت مصر كهدف إستراتيجي لها والأحداث الأخيرة في هذا العام، والعام الماضي شاهد عيان على ذلك.
على مر التاريخ أثبتت مصر قوتها وكفاءتها بحنكة قياداتها وحب أبنائها لها وطاقة شبابها أن تكون صابرة أمام موجات عاتية من الفتن والتخريب، وستظل أنموذجاً للصبر، فهي «أم الصابرين» في منظومة الدول عبر التاريخ، وستظل، وسيأتي أوان قريب لأن تخرج مصر من محنتها وتتعافى من صدمات وويلات الأحداث وأزمات الفتن لتجني ثمار الصبر بالفرج القريب فرجاً يعيد إلى حدودها ومقدراتها ومقوماتها وشعبها الأمن والأمان والاتزان والتوازن، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.