عبد الله باخشوين
الإيمان بالشباب وبإمكاناتهم وقدراتهم لا يلغي وجودنا نحن الذين تجاوزنا سن ((الستين)).. ولا يقلل من أهمية خبراتنا وقدراتنا التي تجعلنا نجد من الشباب تقديرهم واحترامهم.
غير أن الصورة اختلفت كثيراً.. فبعد أن كان أبناؤنا - في مطلع شبابهم - يكادون يلازموننا ويتعلمون منا كل الأسس التي لعبت - فيما بعد - دوراً كبيراً في بناء شخصياتهم وقادتهم للنمو المعرفي الذي حقق لهم استقلاليتهم مع اكتمال نضجهم.. وهم ملئ السمع والبصر.. أو حتى في غفلة منا.. بعد كل هذا.. وصلنا بحكم السن والتطور السريع وتغيير أساليب المعرفة وتشعب أدواتها, ومفرداتها وتبلور مفاهيم جديدة للعمل حافلة بكل المستجدات التي شكلت ثقافة الشباب خارج إطار ثقافتنا التقليدية ومفرداتها وممارساتها وأساليبها التي أصبحت خارج لغة العصر الجديد.. عصر الانفتاح والتجدد.. عصر الشباب أصبح علينا نحن الآباء - أن نسعى ونجتهد لنتعلم من أبنائنا شيئاً أو أشياء من لغة عصرهم وأدواته.. عل هذا يبقينا داخل دائرة القدرة على فهمهم والتفاعل معهم بشكل إيجابي.. ولا يجعلنا نقف كالمتفرجين أو يجعل عجلة الزمن تكتمل دورتها وتطحننا.. وتجعلنا نشعر بالغربة في حضرة أبنائنا وبناتنا.
يجب أن نعترف أن هذا لم يعد زماننا.. وأن بقاءنا بالقرب منه أفضل كثيراً من الخروج ولعب دور المتفرج.
والبقاء بالقرب من زمن الشباب ليس هزيمة أو انكساراً.. لأنه يكفي أن نجد منهم مشاعر الحب والعرفان.. والخضوع الأبوي والطاعة أو حتى المسايرة.
يجب أن تكون لدينا الشجاعة والإيمان بهم وبقدراتهم.. بما يجعلنا نسلم لهم قيادة الأمور متوجة بالثقة في عملهم ومفرداته.
لسنا تابعين لهم.. وهم لا يسيرون أمامنا.. لكن عندما أطلقنا حرية عقولهم وفتحنا أمامهم كل أبواب التعليم بالتشجيع والإنفاق.. وإظهار مشاعر الرضى عن نجاحهم وتفوقهم.. كنا نستجيب لسنن الحياة.. للخروج بهم من مفهوم ((صراع الأجيال)) والتأكيد على مفهوم ((التكامل العائلي)) بمعناة المتجرد من الأنانية والرغبة في الاستئثار بكل شيء.. وهي رغبة سوف تؤدي للرفض والتمرد وربما العقوق.. صحيح أن بعض أبناء جيلنا ينظر لما يعد به ((الزمن)) أبناءنا الشباب من أدوار قيادية بعين شؤم وامتعاض ورفض ومكابرة واضحة.. وصحيح أن كثيراً من هؤلاء يتحينون الفرص لزرع طريق الشباب بـ ((الأشواك)) ناسين أن السير على الأقدام أو حتى ركوب ((السيارات)) لم يعد وسيلتهم للسير والتنقل.. ومتناسين المثل المصري الذي يقول:
- ما يفهم رطني إلا ولد بطني..!!
بمعنى يؤكد أن شبابنا في مسيرة تطورهم لم يتخلوا عن تقاليدهم وعاداتهم والأسس التي قامت عليها ثقافة آبائهم وأجدادهم.. ويؤكد أن كل من يسعى لجعلهم يتعثرون يخدمهم بما يقدم من دروس في أساليب الكراهية والحقد بما يجعل شوكتهم تقوى وإرادتهم تتضاعف ورغبة الشباب في التحدي تزداد عزيمة وإصراراً.
هنا أذكر أحد الشباب القريبين من عائلتنا.. جاء يشتكي من والده.. ويقول بحيرة:
- والله يا عم عبدالله ما أدري أش أسوي معاه.. مهو قادر يصدق أني صرت رجال يقدر يعتمد عليه..!!
حدق الشاب في عيني بدهشة وهو يسمعني أسأل:
- أبوك يركب معاك في السيارة..؟!
قال بما يشبه السخرية:
- طبعاً يركب معايا..!!
قلت: ومن يقود السيارة.. أنت ولا هو..؟!
قال: لا.. صار لي سنتين أوديه وأجيبه..!!
قلت ضاحكاً: طيب خلاص أشتبغى.. شوف شغلك ولا تشيل هم..!!
قال بنوع من الحدة: أقولك أبويه ما يوثق فيه.. تقول شوف شغلك..
بعد ضحكة مجلجلة.. قلت: يا ولدي احنا جيلنا كذا.. ما يقول.. ولا يصرح.. لكنه يتصرف بهدوء وهو مسلم أمره لله.
يعني أبوك وثق فيك.. وأمنك على حياته وخلاك تسوق السيارة بداله.. ويمكن يغفى شوية وانت ماشي.. معناه هو متأكد أنك غير متهور وواثق أنك تقدر تتصرف بعقل وحكمة.. يا ولدي شوف شغلك ولا تخاف.. بس لازم توصل أفكارك لأبوك بطريقة بسيطة يقدر يفهمها..؟!