محمد آل الشيخ
ثمة كثير من المتغيرات التي طرأت على موضوع الانتماء والهوية لدى الإنسان المعاصر، ما جعل هناك متغيرات عميقة، لا يمكن تجاهلها، بين انتماء وهوية الفرد في الماضي وهوية وانتماء الفرد في المجتمعات المعاصرة.. في الماضي كان الفرد إما منتمياً للمنطقة الجغرافية التي نشأ فيها، أو للقومية العرقية التي ينحدر منها، أو لقبيلة ذات نسب محدد يميزها في محيطها الجغرافي.. وحينما جاء الإسلام، وضع رابطة الدين، والانتماء (للأمة الإسلامية)، انتماء وهوية تعلوا على أية هوية عداها، ولكنها لا تتجاهلها في التفريق بين الأفراد المسلمين.
ظهور مفهوم (الوطن) والانتماء إليه، همش الانتماءات الأخرى التي تنطلق من مفهوم ديني، أو مفهوم قومي، أو قبلي، لتصبح (الهوية الوطنية) هي الهوية الجديدة الجامعة، لكل من يعيشون ويتعايشون ضمن نطاق جغرافي سياسي محدد - (دولة الوطن) - ولمواطني هذه الدولة، ومن يحملون هويتها، حقوق حصرية يتميزون بها عن غيرهم من بني جنسهم أو ديانتهم، وفي المقابل عليهم مسؤوليات وواجبات تفرضها الهوية الوطنية، وهذا ما يكاد عالم اليوم أن يتفق عليه بشكل كامل ونهائي، لتصبح (الهوية الوطنية)، وليس القومية، أو الدينية، هي الهوية المرعية عالمياً التي تنظم بقاء الإنسان وتعاملاته، وتحميه، وتحقق له الكيان الذي يعيش فيه وينتمي إليه.
ومن الملاحظ الجلي أن أقل شعوب الأرض شعوراً بالهوية الوطنية المعاصرة هم العرب بشكل عام.. والسبب أنهم أمة ذات ماضٍ تليد وحاضرٍ بائس, ما جعل الهوية التاريخية، هي الهوية المسيطرة على أذهنهم، ويجدون في الانتماء إليها، ما لا يجدونه في الانتماء إلى وطانهم، التي لم تقدم لهم من الإنجازات التاريخية ما قدمه الماضي التليد. لذلك تجد أن الانتماء (للأمة) ذات التاريخ العريق، هو الانتماء الذي يجسد له تاريخ متفوق على الأمم الأخرى.. وهذا في تقديري ما جعل الانتماء للأمة، وللحركات المتأسلمة التي تدعو إلى بعثها وإحيائها، وإحياء قوتها، ومنعتها، تجد الشعبية والرواج لدى كل الشعوب التي تتحدث بالعربية.
الهوية الوطنية ومقتضياتها هي ليست اختياراً في زمننا، ولكنها حتم.. فلا يمكن اليوم أن تعيش، ويصبح لك بالتالي حقوق وواجبات، ما لم تنتسب إلى كيان وطني معيّن، مهما كانت قوميتك، ومهما كان دينك.
كما أن الحركات الأيديولوجية السياسية المعاصرة التي تقوم وتتمأسس على توظيف (التفكير الرغبوي) لدى الإنسان العربي، وتستورد من التاريخ التليد حلولها، وتصر على أن لديها العزم والقدرة على استحضاره من جديد تجد لها هذه الشعبية؛ وهذا ضرب من ضرورب الوهم، فالماضي لا يمكن استرجاعه، فاليوم له منطق يختلف عن منطق الأمس، وإلغاء الدولة الوطن، وإذابتها في دولة (الأمة)، المنشودة، هو في الواقع لا يعدو أن يكون أمنيات (مجاذيب)، بينهم وبين الواقعية والعقلانية مثل ما بين السماء والأرض.
وكلي أمل أن يكون فشل ما سموه (الربيع العربي)، والحروب الدموية الطاحنة التي أحرقت الأخضر واليابس، بمثابة (الصعقة الكهربائية) التي ستعيد للذهن العربي المريض بعضاً من رشده وواقعيته.
إلى اللقاء،،،