محمد آل الشيخ
من يرصد أوضاع العالم العربي لا بد وأن يلحظ جليا أن السعوديين وقضاياهم وخلافاتهم في كل الشؤون الحياتية، هي المسيطر الأول على الإعلام العربي، من المحيط إلى الخليج. ولعل هذا الظهور القوي والمؤثر كان سببه الأول الاستقرار السياسي في الداخل، وصمود المملكة ودول الخليج معها، في وجه ما كان يسميه الثوريون العرب (الربيع العربي). وطبعا مواقفنا القوية والحازمة على مستوى السياسة الخارجية، لما نتج عن هذه الأحداث من تطورات، وما تمخضت عنه من تبعات، بدءا من (عاصفة الحزم في اليمن) وانتهاءً بالموقف القوي والحازم أيضا في سوريا، ونظامه العميل للفرس وإذعانه لهم.
الرياض اليوم هي بلا منازع عاصمة القرار العربي، وتبعا لهذا التفوق في الاستقرار، ومواجهة التحديات، كان لا بد أن ينعكس بشكل إيجابي على الإعلام. هذا ما يلاحظه أي مراقب متابع على القنوات الإخبارية في الغرب، سواء الناطقة بالعربية، أو باللغة الإنجليزية. ورغم تحيز بعض هذه الوسائل الإعلامية (أيديولوجيا)،- (بي بي سي العربية مثلا)- ومحاولاتهم أن يدسوا السم في العسل، إلا أنهم يعترفون (ضمنيا) باكتساح الشأن الخليجي وقضاياه بقيادة المملكة للساحة السياسية العربية. كما تلحظ جليا أن الشأن السعودي، والحراك الثقافي في الداخل، والمماحكات بين أطيافه، هو المسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فالرأي الصحوي بكل درجاته يبدأ من هنا، والرأي الوطني وتمجيد الوطن يبدأ من هنا. كما أن ما يسمى بالحقوقيين - مثلما يسمون أنفسهم - يبدأ أيضا من هنا. وهذا يجعل كل الأطياف العربية خارج المملكة، - شعروا أو لم يشعروا - يعتبرون الرياض، وما يصدر عن الرياض، وماتتخذه من مواقف وقرارات، في الشأن العربي والإسلامي هو الرأي المؤثر ثقافيا بكل وضوح.
قبل ما يُسمى الربيع العربي، كان كثير من ثوريي العرب اليساريين يسموننا بالرجعيين، ويسمون أنفسهم بالتقدميين، غير أن رياح التغيير عندما هبت، وتحولت إلى عواصف عاتية، لم يصمد في وجهها إلا الدول (الرجعية) بينما تساقطت الدول (التقدمية) تساقط أوراق الشجر في الخريف؛ وتساقط معهم أيضا بعض (القومجية اليساريين)، الذين تبنوا خطابهم السياسي، وأركبوهم معهم، لكن في المقاعد الخلفية، لأنهم ينتسبون إلى الدول الرجعية، في حين أنهم كانوا يتربعون في المقاعد الأمامية من القاطرة العربية، وبعضهم يتولى قيادتها.
هؤلاء العروبيون القومجيون مازالوا - حتى الساعة - يطرحون في أدبياتهم ومقالاتهم نفس الطرح الذي كان يطرحه قادتهم العروبيون، وبالذات من عرب الشمال، رغم أن تجارب أسيادهم السياسية باءت بالفشل الذريع؛ فالعراق هاهو شبه كيان سياسي متضعضع، تتجاذبه أحزاب متأسلمة مذهبية وإثنية، ثم يقتسمون عندما يجن الليل مدخرات شعوبهم.. سوريا كما ترون، لا بعثها العروبي القميء بَعَث تنمية، ولا صان استقرارا، ولا حافظ على التعايش يين مكوناته. ليبيا حرب ونزاعات وخلافات لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد. مصر كاد المتأسلمون أن يرموا بها إلى الهاوية لولا تدخل جيشها في اللحظات الأخيرة، وهذا مايثبت أن (تنمية) الشعوب تبدأ بالاقتصاد، وليس بالحلول السياسية اوالأيديولوجية المستوردة. وأن التشبث بالتغيير السياسي التدريجي وليس الثوري هو أمان الشعوب. وأن (نموذج) الرياض هو النموذج السياسي الذي يجب أن يحتذى.
إلى اللقاء.