محمد آل الشيخ
في التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، وبعيد احتلال صدام للكويت، أظهرت الصحوة المتأسلمة أنيابها، وكان يقف في المقدمة ثلاثة دعاة، لم يعرف لهم مكانة علمية بين علماء المملكة من قبل، هم: «سفر الحوالي» و»سلمان العودة» وثالثهم «ناصر العمر».
احتلال الكويت، وخوف السعوديين، وهلعهم من الجنون الصدامي، جعل هؤلاء المسيسون الثلاثة يستغلون الفرصة التي ظنوا أنها لا تعوض لتحقيق طموحاتهم السياسية، وطرح أنفسهم، ومنهجهم المتأسلم الماضوي، كبديل للحكم السعودي القائم.. وما إن استعانت المملكة بالدول الصديقة لمواجهة العدوان الغاشم وتحرير الكويت، حتى امتدت أعناقهم تُحرم هذه الاستعانة، وتسفه بها، انطلاقاً من أنه (لا يجوز الاستعانة بالكفار).. وأن بإمكان (المجاهدين العرب) أن يهزموا «صدام» ويخرجوه من الكويت، كما أخرجوا الاتحاد السوفييتي من أفغانستان. كانت المقارنة ساذجة، وغبية، ولم تلتفت إليها المملكة.. وحينما جاءت القوات المتحالفة إلى المملكة زعموا أن الجيوش الغربية وبالذات الأمريكية جاءت لتبقى، وأن القضية (مؤامرة) أراد منها الغرب احتلال المملكة.. غير أن الكويت تحررت ورحلت الجيوش المتحالفة وسقطت رهانتهم.
كان من المفروض أن يخسأ هؤلاء الثلاثة، ويتواروا عن الأنظار، إلا أنهم استمروا بمزايداتهم على إسلامية المملكة، مرة بدعوى النصيحة، وأخرى باسم الإصلاح، ما اضطر الحكومة إلى اعتقالهم وسجنهم لسنوات، وكاد الناس أن ينسوهم، ثم عفا عنهم الملك فهد -رحمه الله- وخرجوا من السجن.. وبسبب جهلهم في الشئون السياسية، عاد وكرر اثنان منهم، محاولة (التمرد)، في حين أن الثالث، وهو «سفر الحوالي» خرج من المشهد لمرض عضال أصابه.. وما إن جاء ما يسمى (الربيع العربي) حتى عاد هؤلاء يكررون غباءهم وجهلهم حين ظنوا أن المملكة من الضعف والهشاشة بما يمكّنهم أن يسقطوا النظام القائم، ويرثوه.
سلمان العودة أصدر كتاباً تحت عنوان (أسئلة في الثورة)، جاء فيه إبطال لكل الأحاديث التي تأمر بالطاعة والتزام جماعة المسلمين.. المغفل كان يظن أنه إذا أبطل هذه الروايات، سيقوم الشعب تلقائياً بالثورة؛ فهو لا يقيم للعوامل الأخرى الأهم وزناً كمتانة الاقتصاد مثلاً، ولا بجذور البيت السعودي الحاكم الممتدة في تربة الجزيرة العربية قرابة 300 سنة، ولا أن أيّ اضطراب أمني في المملكة يعني أزمة اقتصادية عالمية لن تبقي ولن تذر، ولا أن العقد الاجتماعي للوضع السياسي القائم يتمحور حول بقاء الأسرة المالكة، وأن غيابها يعني غياب الأمن والاستقرار برمته، لذلك ترك لأحلامه الساذجة أن تفعل في مواقفه وأدبياته الأفاعيل.. فمر الربيع العربي، (وسقط الإخوان في مصر)، (وتنحى إلى الصفوف الخلفية الإخوان في تونس)، وسقطت أحلام (سلمان العودة) كالعادة.
أما «ناصر العمر» فقد استغل مواقع التواصل الاجتماعي، وبالذات (اليوتيوب)، لبث سمومه، وتمجيد الربيع الإخواني، الذي أسقط الأنظمة القائمة، منتظراً أن تمتد زلازله إلى المملكة، غير أنه سقط مثلما سقط صاحبه.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن بقاء وسقوط الدول، لها أسباب وبواعث، وعلى رأسها الاقتصاد.. واقتصادنا قوي وسيظل كذلك -إن شاء الله-؛ أما الجعجعة واختلاق الأسباب غير المتماهية مع الواقع، فهي ضرب من ضروب التفكير الرغبوي، الذي تحكم في أذهان هذين الداعيتين في التسعينيات من القرن الماضي، وقذف بهما إلى غياهب السجون.
إلى اللقاء،،،