محمد عبد الرزاق القشعمي
سمعت به أول ما سمعت بأنه اشتهر بقوله: «أنا أعرف أشق ولا أعرف أخيط» كطبيب شعبي.. قبل بداية الخدمات الطبية الحديثة في الرياض.
يقول ابنه (عبدالرحمن) وهو في زيارة لمكتبة الملك فهد الوطنية، وفي حديث عن والده ويصف الصيدلية المزعومة..! (قد نسميها تجاوزاً بالصيدلية فهي مجرد صندوق من حديد يوضع في وسط حفرة على قارعة الطريق أمام محراب مسجد الجامع الكبير بالصفاة – وسط الرياض - وبالقرب من حراج ابن قاسم الشهير الذي كان يحتل شرقي المسجد وشماله.
ويقول: إنه قد دفن الصندوق الحديدي بالطين إلى أعلاه وصف به دواء الكحة وحبوب دجنان وحبوب الرأس وشراب العشرق وزيت الخروع. وبعض المطهرات وطبعاً الفكس وأخيراً تم اكتشاف أو اختراع دواء مشابه له (أبو فاس). وكان عند إغلاق السوق مع أذان صلاة الظهر أو أذان صلاة المغرب يقفل الصندوق ويغطيه (بجرم خيشة) بقطعة شراع أو بكيس قديم ويضع فوقه عدداً من لبن الطين حتى لا يعبث بالصندوق الأطفال أو يعثر به أحد المارة أو تدوسه إحدى العربات أو السيارات حديثة العهد بالرياض.
فهل تعتبر صيدليته أول صيدلية بالرياض رغم أن الذي بقي في أذهان أبناء الجيل السابق أن صيدلية (شبيب) وبعدها صيدلية (تمر) بشارع الوزير، من أقدم صيدليات الرياض.
يقول عنه الدكتور عبدالله الصالح العثيمين في حديثه لمجلة اليمامة بالعدد 1458، 2صفر 1418هـ وهو يصف الرياض عند زيارته لها وبالذات (عيادة الدكتور الرحيمي) وأعتقد أنه يتحدث عن الفترة ما بين سنة 71 – 1372هـ فيقول: «... فكثير من أوقاتنا في السوق كانت تمضي ونحن نتمتع بمشاهدة ابن قاسم وهو يُحرِّج على كثير من الأمور بتعليقاته اللطيفة وخفة دمه المشهورة أو نجلس بقرب عيادة الدكتور الرحيمي في الهواء الطلق أمام مسجد الجامع ونتمتع بمشاهدة تعامله مع مرضاه وما كان يقوله عن نفسه من أنه يعرف (يشق ولا يعرف يخيط وأن وصفته الطبية ليست دعوة الخضر ولا مسحة سليمان بن داود).
وكان (شلهوب) أحد رجالات الملك عبدالعزيز المشهورين يمر به وهو متجه إلى قصر الحكم حيث عمله فيقول: يا دكتور يا الرحيمي، الشيوخ – ويعني الملك عبدالعزيز – يمدحون الدواء الذي أعطيتني أمس له فيتسابق زبائنه من المرضى إلى شراء الدواء الذي لم يحدده شلهوب لتكون الدعاية شاملة لجميع أنواع الأدوية فإذا مر به شلهوب عائداً من السوق قال: يا الرحيمي (إنسها) مذكراً إياه بما عمله له من دعاية». انتهى كلام الدكتور العثيمين.
يقول ابنه عبدالرحمن إن والده إبراهيم قد ولد في القصب عام 1291هـ وسافر للعراق في حدود السادسة عشرة من عمره مع عقيلات أهل عنيزة وهو ينوي طلب الرزق والعلم معاً وقد مروا في طريقهم إلى البحرين وقت موسم الغوص للبحث عن اللؤلؤ وكان يشارك في الغوص وإذا انتهى الموسم يذهب إلى البصرة ويعمل لدى أحد بائعي الكتب بشارع الوراقين بأجرة زهيدة ولكونه قد أجاد القراءة والكتابة لدى الكُتاب (إبراهيم بن عبدالله بن فنتوخ وعبدالعزيز بن محارب وعبدالعزيز بن عامر بالقصب) فقد كان وقت فراغه يتصفح بعض الكتب ويقرأ ما تيسر له وقد استهوته بعد ذلك الكتب الطبية ككتب ابن سينا والأنطاكي وغيرهم فبدأ يحفظ وينقل بعض الوصفات والمسميات في قصاصات أوراق يحملها معه في نهاية اليوم ليحفظها ويحتفظ بها.
وكان شارع الوراقين بالبصرة مليئاً بالمكتبات ومقصداً للجميع وبالذات القادمين من خارج المدينة، ولهذا فقد تعرف إلى أطباء من تركيا واليونان وكانوا تلاميذ على من سبقهم فتعلم على أيديهم وعرف منهم أسماء الأعشاب وطرق استعمالاتها والأنواع السامة، وكذا تعلم طريقة خلط الأعشاب والتطبب بها كما تعلم إعطاء الحقن (ضرب الإبر) والتطعيم ضد الجدري (التعضيب – أو التوتين) وخلع الأسنان ومعالجتها.
ثم سافر من البصرة إلى مصر ليستكمل ما نقصه من معلومات طبية أولية. عاد بعد ذلك إلى شقراء وبدأ بمعالجة أسرته ثم جيرانه وأبناء بلدته وبعض أبناء البادية الذين يردون شقراء للتزود بالماء والكلأ. وبعد ذلك يذهب لمضارب البدو على جمله ومعه أدويته لعلاج المرضى وقت انتشار بعض الأوبئة وتطعيمهم ضد الجدري وغيره.
انتقل بعد ذلك للعاصمة – الرياض – وبدأ يستعيد علاقته بأصدقائه من أبناء بلدته مثل الشيخ محمد بن بليهد والشيخ عبدالرحمن السبيعي وغيرهم وتعرف إلى الملك عبدالعزيز وتوثقت علاقتهم مما حمله إلى إرساله إلى بعض العشائر لحل مشاكلهم وإنهاء منازعاتهم وإحلال الصلح بينهم. ووثق به الملك عبدالعزيز أكثر وكان يصف له بعض الأدوية الشعبية ويقوم بعلاجه عما قد يعتريه من أوجاع وذلك قبل قدوم الدكتور رشاد فرعون من سوريا بصفته أول طبيب يصل إلى نجد وكان وقتها لا يوجد بالرياض سوى الصمعاني وابن محمود وهذان اختصاصهما ينحصر في تجبير الكسور ونحوها.